جودة مرسي:
يحتاج البناء الحضاري بين الشعوب إلى مرجعية وسقف يضمن له قواعد متينة لا تهتز مع عواصف الخلافات التي قد تهب في فترات موتورة خارج إطار الزمن. وتنبثق تلك المرجعية من ميثاق الأمم المتحدة، وسقفها قواعد القانون الدولي، وهدفها حل الخلافات بالوسائل السلمية والدبلوماسية، ومطلبها إعطاء دور أكبر للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية لتسوية النزاعات، وتوطيد دعائم السلم والأمن الدوليين، ونشر ثقافة السلام والتسامح لتجنيب البشرية ويلات النزاعات والحروب التي تعصف بأماني الشعوب وتطلعاتها للأمن والاستقرار والرخاء والازدهار.
هذا هو البناء المتين الذي وضعت قواعده سياسة السلطنة في التعامل مع محيطها الإقليمي والدولي فنالت التقدير والإشادة الدولية كنتاج السعي الدؤوب للسلطنة في إخماد الخلافات، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. وقد وصفت الأمم المتحدة الجهود التي بذلتها السلطنة في الهدنة المعلنة في اليمن بالملموسة والمقدرة، وذلك خلال اللقاء الذي عقد مؤخرا بين سعادة السفير الدكتور محمد بن عوض الحسان مندوب السلطنة الدائم لدى الأمم المتحدة، وسعادة ديفيد جريسلي المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في اليمن خلال لقائه في مقر وفد السلطنة بنيويورك. وتعبِّر هذه الإشادة عن ثقة المنظمات الدولية في رأي السلطنة وشجاعتها في صيانة الأمن والسلم الدوليين ومواجهة التحديات والصراعات الدولية، والعمل الحثيث لتسوية النزاعات باستخدام الدبلوماسية الوقائية، وبذل الجهود لتحقيق السلام والاستقرار في العالم من خلال تعزيز تدابير بناء الثقة، وحل الخلافات بالوسائل الدبلوماسية، وسجل السلطنة المشرف في مثل تلك المواقف الدولية لا يقتصر على مجرد الإشادات الدولية الناتجة من الخطوات العملية التي تتخذها السلطنة لتقريب وجهات النظر بين الدول التي تنشب بينها خلافات وحسب، بل وفي كثير من الأحيان تتحمل السلطنة عبء تنفيذ هذه الاتفاقات، سواء عن طريق المواقف السياسية، أو التكلفة المادية لتجعل إحلال السلام بديلا للنزاعات مطلبا ضروريًّا من أجل سلامة الشعوب.
إن نهج السلطنة ورؤيتها في المحافل الدولية، وهو صوت مسموع ومقدر من قادة العالم، يهدف إلى ترسيخ مبدأ أن السلام العالمي مطلب مُلحّ، وأن الحوار والمفاوضات هما أنجع الوسائل لحل الخلافات، ويتماشى هذا مع مواقف السلطنة الداعمة لكل الجهود والمساعي الخيرة، وكافة المبادرات الإقليمية والدولية التي من شأنها المساعدة على تحقيق السلام ونشر ثقافة الأمن والاستقرار في المنطقة وربوع العالم؛ لأنها دولة سلم تؤمن بأن السلام ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية المستدامة. وما أشد احتياج العالم لنهج السلطنة، خصوصا أن الأحداث التي يمر بها حاليا، والتي لاحت ملامحها في السنوات الأخيرة، والتي تنذر في طياتها بحروب أهلية وكوارث إنسانية قد تؤدي إلى قلب موازين القوى في العالم، وتتصدر هذه التحديات الأزمات الاقتصادية والأمن والحدود، والتي لن تتأتى حلولها إلا بالحوار والمفاوضات من أجل نشر الاستقرار ومواجهة الفوضى التي تأكل في طريقها أصول ومدخرات التنمية، فتجعل الأخضر يابسا، والجمال قبحا. إن الحروب معول هدم، والسلام معول بناء، وهذه الرؤية نتجت عطفا على منهج السلطنة في تبنِّي الحلول والمقاربات السياسية والدبلوماسية التي تحفظ للأوطان وحدتها وتماسكها، وللشعوب كرامتها وأمنها وعيشها الكريم، والتي تستوجب تبنِّي سياسات جديدة عقلانية، ترتكز على توفير الحياة الآمنة والمستقرة للشعوب، تحمل في طياتها منطلقات جديدة في العلاقات الدولية تتوافق مع مبادئ حسن الجوار واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومواجهة الاستقطاب بالاحتواء والتعايش، لبناء عالم يسوده العدل والإنصاف والتعايش والتسامح لينعم الجميع بالرخاء والأمن والاستقرار.