عادل سعد:
مع ارتفاع ضرورة الدبلوماسية الاقتصادية كمفتاح للتمكين التنموي العام واستقطاب شركاء بالنسخ الزراعية والصناعية والتجارية المتنوعة، تظل أسبقية هذا النوع من الدبلوماسية بما يتوفر لديها من قوة الجذب التي تستطيع استخدامها في هذا الميدان أو ذاك، وإذا كانت هذه المهمة ضمن أبعادها الاستراتيجية واللوجستية من مهمات أغلب مفاصل الدولة الواحدة، لكن هناك جهات تضطلع بأساسيات التسويق دون غيرها من الوظائف، وتفصيلًا، فإن قوة الجذب في الدبلوماسية الاقتصادية تتضمن بعدين أحدهما يكمل الآخر.
البعد الأول، يتعلق بجلب الممولين إلى البلاد من خلال إقناع أصحاب الأموال والشركات الاستثمارية أن حقوقها ستصان، وأن فرصها في الربح مضمونة، والحال لا يمكن لأية دبلوماسية أن تنجح في هذا الشأن إن لم تضع على طاولتها النصوص القانونية التي تحقق الربح المجزي والشراكة الضامنة. وبمعنى مضاف، لا تستقيم الدبلوماسية هنا إلا بعرض تلك المنظومة بالضمانات التي توفرها للمستثمرين وتقديم نماذج متحققة مع ضرورة تكييف المناخ الاستثماري، وهذا بطبيعة الحال يتطلب تطويع قوانين وإصدار لوائح تواكب حركة الاستثمار، الأمر الذي يستدعي مراجعات بين الحين والآخر للقوانين المعتمدة في هذا الشأن وفق المؤشرات الاقتصادية الدولية.
إن أولى أسبقيات الدبلوماسية الاقتصادية في هذه المجالات الاستثمارية، السهولة المصرفية في آليات الإيداع والحسابات الجارية، والسحب، والتحويل، والتوظيف، واعتماد المحطة الواحدة في الإجراءات، كما أن أية دبلوماسية اقتصادية يناط بها مسؤوليات من هذا النوع تظل قاصرة عن استقطاب مستثمرين إلا من خلال تيسير آليات عمل تضع بالاعتبار الأول وضوح التعامل والشفافية التي تحول دون الوقوع في محظورات الفساد.
البعد الثاني، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التسويق البضائعي في عالم تجاري تسوده المنافسة الحادة، وانتشار فرص الغش والفساد والتزييف والتشويه والبيع والشراء في العلامات التجارية، والتنصل عن الإيفاء بالتزامات الجودة، وتجارة الشوارع الخلفية، وكذلك كل ما يتعلق بمتانة السلعة وعمرها واحتمالات خروجها من الخدمة بعد وقت قصير، وكفاءة الأداء. وإذا كان الملحقون التجاريون في السفارات يضطلعون بالمسؤوليات الترويجية الأساسية لعروض الاستثمار والعقود التجارية وتنظيم لقاءات تفاهمية ناجحة، فإن البضاعة نفسها بجودتها العامة تُمثِّل السفير المعنوي الأكثر أهمية من كل الفرص الأخرى المتاحة.
لقد قيل البضاعة سمعة، وبمعنى مجازي إضافي؛ سفير تجاري فوق العادة على وفق التوصيف المعنوي لهذه المهمة التفويضية، ولا شك أن الدول التي تتمتع بنفوذ عالمي واسع هي الأقدر على الهيمنة في الأسواق، وكذلك جذب الاستثمارات. هناك الآن العديد من النزاعات بين دول تضُمها تحالفات سياسية لكنها في خصومات حادة مع بعضها البعض على الفرص الاستثمارية والتجارية، ولذلك تم استحداث منظمة التجارة العالمية لفض النزاعات على الأسواق بينها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يجري بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، فطبقًا لدراسات ميدانية عُني بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة أن الاتفاقيات التجارية طويلة الأمد هي الأقدر على مواجهة التحديات الطارئة؛ لأنها تأتي وفق عقود وتفاهمات مكتوبة، و(العقد قانونيًّا هو شريعة المتعاقدين).
إن الدبلوماسية الاقتصادية في التوصيف الأساسي هي دبلوماسية استكشافية تتطلب المزيد من المعلومات الميدانية والخبرة النفسية مع قياس الحاجات، وإن صناعة الفرص الاستثمارية والتجارية صار الآن أحد أهم العلوم الأكاديمية، يدرس على نطاقٍ واسعٍ، ولذلك يقال إن فلانًا اختصاص في التسويق، وإن هذه المؤسسة الاستثمارية أو تلك دون غيرها لها باع طويل في هذا الشأن أو ذاك، وفي كل الأحوال تبقى القراءة الميدانية واحدةً من أفضل الأسبقيات لتوفير المعرفة للدبلوماسية الاقتصادية.