علي بدوان:
أخبار إيجابية طالعتنا بها المصادر السياسية الإيرانية والأوروبية على حدٍّ سواء بالنسبة لإمكانية الإعلان عن نجاح مفاوضات (فيينا) بشأن الملف النووي الإيراني قريبًا، بعد مفاوضات مضنية وعسيرة، وبالتالي إسدال الستار على تلك القضية التي استعصت على مُختلف الأطراف منذ سنوات، وعطلتها الإدارة الأميركية السابقة برئاسة الرئيس الأميركي السابق (دونالد ترامب).
أخبار إيجابية حملتها العديد من المؤشرات الملوسة من مفاوضات (فيينا)، ولا نقول أكثر من ذلك، فيما أكَّدَ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم 4/4/2022 أن "إيران ستعود إلى فيينا فقط لإتمام الاتفاق النووي مع القوى العظمى" مضيفًا: "لن نعود إلى فيينا لإجراء مفاوضات جديدة مرة أخرى ومن جديد، لكن لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق حول الملف النووي. وعليه يجب إذًا انتظار رد واشنطن".
ومع ذلك، إن كل المؤشرات تذهب للتأكيد أن "حلحلة" ما باتت قريبة جدًّا لمسار المفاوضات المستعصية بين إيران والدول الأخرى بشأن ملفها النووي. وهو ما أكَّد عليه المصدر الإيراني النافذ، ممثلًا بوزير الخارجية (حسين عبد اللهيان) خلال اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش يوم 4/4/2022ـ حين قال: "لقد اقتربنا من التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا"، وذلك بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية.
فبعد نحو عام من المفاوضات مع إدارة الرئيس (جو بايدن) تقترب مجموع الأطراف من إعادة إحياء اتفاق العام 2015 التاريخي. الاتفاق الذي أتاح في حينها رفع عقوبات عن طهران مقابل قيود صارمة على برنامجها النووي. إلا أن الولايات المتحدة انسحبت منه عام 2018 في عهد رئيسها السابق، دونالد ترامب، وأعادت فرض عقوبات شديدة، وعطلت خط ومسار تطبيق الاتفاق الموقع عام 2015، وأعادت الأمور للنقطة الحرجة. وبالطبع إن لـ"إسرائيل" دورًا في ذلك التعطيل من خلال تحريض الإدارة الأميركية وحتى العالم على إيران.
لقد أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، يوم 4/4/2022 أن التوصل إلى اتفاق تام وناجح في مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، وهو المعروف باتفاق مفاوضات (5+1) بين القوى الكبرى وطهران، بات وشيكًا. وهذا التصريح إيجابي ويَصُب في مسار التقدير الذي نُقل إلينا، لكنه لا يكفي حال راوح الموقف الأميركي مكانه دون فعلٍ ملموس للانتقال بالاتفاق من النصوص إلى التطبيق العملي.
إن مشاركة إيران في هذه المفاوضات لإحياء الاتفاق المعروف رسميًّا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، مع ألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا بشكلٍ مباشر، والولايات المتحدة بشكلٍ غير مباشر. (حيث لا يتواصل الوفدان الإيراني والأميركي في فيينا بشكل مباشر)، لكنّ رسائلهما تُمرر عبر مشاركين آخرين ومن الاتحاد الأوروبي، منسق المحادثات. وكانت المحادثات قد توقفت الشهر الماضي، بعدما طالبت جمهورية روسيا الاتحادية، بضمانات ألا تؤثر العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب تطورات الوضع في أوكرانيا على علاقتها التجارية مع إيران.
حقيقة، ومن جهة ثانية، المحادثات أصبحت رهينة للشؤون الداخلية الأميركية والصراع بين أقطاب الإدارة. وإيران تريد الانتفاع الاقتصادي من الإتفاق النووي وليس لتوليد الطاقة للأغراض السلمية فقط، من خلال رفع القيود عن الضغوط الأميركية المُسلطة على إيران، وتحرير كل ما هو مُحتجز تحت يد الإدارة الأميركية ويعود لإيران منذ العام 1979. من هنا أهمية حل القضايا والعناوين بشأن القضايا العالقة، بين طهران وواشنطن، والعودة إلى مفاوضات (فيينا) حال عاودت الأمور لحالة الاستعصاء، وليس (التفاوض من أجل التفاوض) وإنما لإكمال الاتفاق وإنهائه، بشأن المواضيع المتبقية في مفاوضات فيينا بين واشنطن وطهران بشكلٍ رئيسي.
إن الرئيس الأميركي جو بايدن، (وكما تُشير مصادر إدارته) ليس بصدد العودة إلى التزامات بلاده بالاتفاق النووي، وأن حل القضايا المتبقية رهين مسائل سياسته الداخلية في ظل صراع القطاب في واشنطن بشأن إيران. فالإدارة الأميركية "لم تتخذ بعد قرارها السياسي حول القضايا الشائكة بمفاوضات فيينا".
علي كل حال، إن هذا الملف، ونقصد الملف النووي الإيراني، شَغلَ وما زال يشغل العالم بأسره، خصوصًا الدول الكبرى، والأمور لم تَعُد تحتمل أكثر من ذلك، من هنا أهمية الإسراع بإنجاز وإنجاح مفاوضات الملف النووي، ومستتبعاته (أي الاتفاق)، خصوصًا وأن الأوروبيين يتمتعون بموقف إيجابي بشكلٍ عام في المفاوضات المتعلقة، ويريدون إنهاء وإغلاق الملف باتفاق توافقي، حيث ترتبط دول الاتحاد بعلاقات واتفاقيات متبادلة في المنفعة مع إيران على الصعيد التجاري والاستثماري، وعلى صعيد الطاقة الأحفورية (النفط).