د. جمال عبد العزيز أحمد:
..وكلمة:(مبينًا) اسم فاعل من الفعل(أبان)، أي أن الفتح من ظهوره، وكماله، وجلاله كأنه صار له لسانٌ بليغٌ يُبِينُ عن نفسه، ويُعلِن عن كماله، وتمامه، وأنه فتحٌ، واضح، ظاهر، وفيه كل التمكين حتى إنه صار يُبِينُ عن نفسه، ويعلن عن شموله، وتمامه، وجلاله، واستعمال اللام التي تفيد الملكية التامة والاكتساب، ومجيء كاف الخطاب في:(لك)، ولك أيضًا للتشريف، والخصوصية، فهي له وحده دون أحد من الخلق، ودون أيِّ نبيٍّ من الأنبياء من قبلُ، وفيه بيانٌ لقدر، ومكانة، ومنزلة، ومقام المصطفى (عليه الصلاة، والسلام)، ثم جاء التعليل، والسب بعدها مباشرة لمزيد من الفرحة، والتخفيف حتى قال الرسول لسيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عندما نزلت السورة:(لقد أُنْزِلَتْ عليَّ الليلةَ سورةٌ لَهِيَ أحبُّ إلى مما طلعتْ عليه الشمسُ، ثم قرأ قوله تعالى: «إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا»)، وهذا لفظ البخاري، فقد تَمَّ الفتح (ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر، ويتمَّ نعمته عليك، ويهديك صراطًا مستقيمًا، وينصرك الله نصرًا عزيزًا)، فتجد الأفعال تحوَّلتْ إلى المضارع الذي يحدث الآن، أو مستقبلًا، فجاء بالماضي (فتحنا) ولا؛ ليرسخ الفتح، وكأنه قد حدث بالفعل، وانتُهِيَ منه تطمينًا، وتعميقًا في القلب، ثم جاء الأفعال المضارعات:(يغفر ـ يتم ـ يهديك ـ ينصرك)، والمضارع يفيد الاستمرار في أصل معناه، إلا أن يقيَّد بقرينة تصرفه إلى الماضي، أو تعيِّنُه للمستقبل، واستعمال الكاف في:(لك: ضمير المخاطب الذي يعود على النبي الكريم) تفيد بيان بُعْد المنزلة، والمكانة، والمقام في أن الرسول وحده هو المتمتع بذلك، ومن ورائِه أمتُه، والمؤمنين به، والحمد لله رب العالمين، ومعنى ما تقدم من ذنبك، وما تأخر أنه كناية عن البياض التام للصفحات التي هي بيضاء أصلا، وفيه شهادة من رب العالمين بنقاء، وصفاء، وجلاء الصفحة النبوية لسيد الرسل، وخاتم الأنبياء، وإتمام النعمة يعني كمالها الكامل، وتمامها التام، واستعمال حرف الجر:(على) في:(عليك) يفيد شموله، وتغطيته التامة للرسول الكريم، ووصف الصراط بالمستقيم يدل على تمام استقامته، وكمال اعتداله، حتى إنه نفسه صار يعي معنى الاستقامة، التي يسير الصراط عليها، ويدركها وحدها بنفسه على سبيل الحقيقة، أو المجاز الاستعاري في تشخيصه بأنه ـ أي الصراط ـ يعي، ويعقل، ويدرك معنى الاستقامة، ويمضي وفق متطلباتها، ويعرف رسالته، ووظيفته فيها .
فالآيات البيان كلُّها أساليب توكيد بكلِّ ألوان التوكيد التي وَضَّحْتُها سلفًا، وأسلوب التعليل، وأسلوب التضاد: (ما تقدم، وما تأخر)، واستعمال المضارعات التي تفيد استمرار تلك المنن، والنعم من الغفران، وإتمام النعمة، والهداية إلى السبيل.
كلُّها بشاراتٌ، وقد بيَّنتِ الجمل القرآنية كم هو مقام، ومكان، ومكانة النبي الكريم عند ربه، هو والمؤمنون معه، وجاء المفعول المطلق أكثر من مرة؛ ليؤكد، ويرسخ، ويعمق تلك المعاني القيِّمة، والدلالات السامية، ويؤكد على مكانة تلك الشخصية النبوية الشريفة الكاملة كمالا بشريًّا، وبيان أن الصحابة في القمة من الاتباع، والسير خلف النبي في كلِّ ما يتكلم به، ولو جاء على غير مرادهم؛ لأنه مؤيد من ربه، غير متروك من مولاه، ويجب التسليم بكل ما يقول، ويقضي.
وفي سورة النصر يقول الله تعالى:(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) ثلاث آيات هي قمة الفرحة، وغاية السعادة للنبي الكريم، وصحابته الأبرار، وتبشير كامل بالفتح، وتحقيق النصر، وقد جاء الثوب اللغوي مرتسمًا مشخِّصًا لجمال، وكمال النصر، فاستعمال الظرف:(إذا) الذي يفيد تحقيق الفعل، ودوامه، وأنه حاصل لا محالة.