إعـداد ـ ناصر بن محـمـد الـزيـدي:
لقـد اقـتضـت حـكـمـة الله سـبحـانـه وتعـالى في خـلـقـه الـفـنـاء، وتـفـرد هــو الـبـقـاء لـنـفـسه، فـخلق الله آدم مـن تـراب، قال تعالى:(إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عـمـران ـ 59)، وخـلـق كل دابة مـن مـاء قال تعالى:(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)ٌ (الـنـور ـ 45)، وقال تعالى:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنـبياء ـ 30).
وجـعـل لـكل مخـلـوق مـن مخـلوقـاتـه مهمة في هـذه الـحـياة الـفـانـية، يـؤديـهـا عـلى مـقـتـضى أمـر الله وعـلـمـه وحـكـمـته وإرادتـه، وقـدر لـكل مخـلـوق أجـلا لا يـتجـاوزه، ومـا جـعـل الله هـذه الحـياة الــدنـيا الـفـانـية تسـير عـلى وتــيرة واحـدة، فـمـن الـمـحال دوام الـحـال، فـهي في تـقـلـب دائـم إذ تـنـتـابهـا الأغـيـار، عـلى تعـاقـب اللـيـل والـنـهـار، فـلا تـكاد تـضـحـك الإنـسان مـرة، حتى تـبـكـيـه مـرات ومـرات ولا تـكاد تصـفـو مـرة حتى يتـكــدر صفوهـا عـدة مـرات، قال الله تعالى:(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنـبياء ـ 35)، وكـذلك مـا خـلـقـنا الله عـبـثـا ولـكـن لـيخـتـبرنا أيـنـا أحـسـن عـمـلًا، وجـعـل الله تـقـلـب الأحـوال بـين شــدة ورخـاء، وراحـة وشـقـاء، ومـرض وشـفـاء، فـقـرًا وغـنـاء لـحـكـمـة يـعـلـمـهـا خـالـق الأرض والـسـماء، سـبحـانـه وتعالى، وجـعـل الـصـراع بـين الـحـق والـباطـل دائـبـين في هـذه الـحـيـاة الــدنـيـا، وبـيـن الإيـمـان والـكـفـر، لـيـبـلـونـا أيـنـا أحـسـن عـمـلاً، ويـستـمـر الـصـراع مـا دامـت الحـياة باقـية عـلى وجـه الأرض حـتى يـرث الله الأرض ومـن عـلـيهـا، وعـنـد الـرجـوع إلى الله يـكـون الـجـزاء الأوفى، لـتجـزى كل نـفـس بـمـا كـسبـت، يـوم يـقـوم الـنـاس لـرب الـعـالـمـين، يـوم لا تـظـلـم نـفـس شـيئًا.
وتلـك هـي سـنـة الله في خـلـقـه التي لا تـتـبـدل ولا تـتغــير، وتـلك الـسـنـن الـغـابـرة سـنـن الله سـبحانه وتعالى في خـلـقـه لا تتغــير ولا تتـبـدل فـجـعــل الله الـنـاس بـعـضـهـم مـسخـرًّا لـبـعـض، تـسخـير مـنافـع ومـصالح لا تـسخـير سـيـطـرة وتـكـبر وتـجـبـر، فـمـنـذ فـجـر الـتاريخ والـصـراع قـائـم لـيـمـيز الله الـخـبـيـث مـن الـطـيـب. ولـقـد اقـضـت حـكـمة الله تعالى أن خـلـق أبـانـا آدم (عـلـيـه الـسلام) مـن تـراب فـكان تـطـور خـلـق آدم (عـلـيه الـسلام) غــير تـطـور سـائـر الـخـلـق، إذ خـلـق الله سـائـر الخـلـق مـن نـطـفـة ثـم صـارت الـنـطـفـة عـلـقـة ثـم صـارت العـلـقـة مضـغـة ثـم صـارت الـمـضـغـة عـظـامـًا، فـكسى الله الـعـظام لحـمًـا، ثـم أنـشأه خـلـقـا آخـر، هـكـذا كان تـطـور سـائـر الـخـلـق.