د. يوسف بن علي المُلَّا:
قبل فترة من الزمن وتحديدا خلال السنة الثانية من جائحة كورونا، قدمت حديثا افتراضيا وطلبت من الحاضرين أن يشاركوا في مربع الدردشة كيف كانوا يشعرون في ذلك اليوم؟ فكانت الإجابات، بلا استثناء، مبهجة بشكل قاطع: مبتهج! نشيط! سعيد لوجودي هنا! هذه مشاعر رائعة، لكن ما هي احتمالات أن تكون هذه الإجابات تمثيلًا دقيقًا للحياة العاطفية للحاضرين بأكمله؟ لقد بدا حقيقة لي ومن الناحية النفسية وكأن هؤلاء الحاضرين قد طغت عليهم الإيجابية؟! أوَلست معي أنه بعد مرور أكثر من عامين على الجائحة والتي قد تكون كشفت الجانب المؤلم من الواقع، وأنه لا يزال العديد من الموظفين محبطين من مشاركة المشاعر الحقيقية والتجارب الصعبة في العمل، فيؤدي لخلق ثقافة من القمع العاطفي الذي يؤذي الموظفين وحتى المديرين على حد سواء؟
كلنا نسمع الكثير من قصص الألم والحزن في العمل، خصوصًا في السنتين الماضيتين وما حدث في بعض الشركات مثلًا، ونوبات الهلع، والعلاقات المصابة، ومشاعر التقليل من القيمة. ألَمْ نلاحظ أن أولئك الموظفين ـ على سبيل المثال ـ كانوا قلقين لكنهم قالوا إنهم كانوا غاضبين، وكانوا حزينين لكنهم قالوا إنهم محبطون. فهل بالواقع ومن الناحية النفسية كانوا يشعرون أنه غير مسموح لهم الاعتراف بأنهم يعانون، سواء من نقص راتبهم مثلًا أو من فقد وظيفتهم على سبيل المثال. ألا يعني ذلك ـ إن استطعت القول ـ وعلى لسان حالهم: نحن نتحمل أكثر مما ينبغي، ويمكننا ذلك؛ لأننا نقلل من أهمية ما يفعل بنا بالفعل!
ألا يعي البعض أنه عندما يتم دفع المشاعر جانبا أو تجاهلها، فإنها تزداد قوة. حالها كحال الكعكة اللذيذة في الثلاجة، كلما حاولت تجاهلها.. زادت قبضتها عليك! وهكذا طالما يحترم المسؤولون في العمل مثلًا، الحدود الشخصية والمهنية، فيمكنهم الاعتراف بأن الحزن أمر لا مفر منه، وإفساح المجال للموظفين للتعبير عنه، بل وغرس قيمة الاستجابة لبعضهم البعض برأفة، لا سيما وأن ديننا ـ الحمد لله ـ وقِيَم مجتمعنا الراسخة تشجع على ذلك. فمشاركة المشاكل والحزن جيدة جدا ليست فقط للصحة النفسية، ولكن أيضا لبيئة العمل نفسه.
ختاما، الكل يدرك أن الحزن جزء أساسي من حياة الإنسان أيا كان، ومع ذلك يتم تجاهله في العمل عادة، مما يضر بالموظفين والمسؤولين على حد سواء. فآمل حقيقة ومن خلال هذه الفكرة، أن يتم تشجيع الموظفين على بث مشاعرهم الصعبة، وبالتالي لن يستنزف هؤلاء الموظفون قدرتهم على إنجاز الأمور وجعل المكاتب محبطة ـ إنْ صحَّ قول ذلك ـ! وهذا بالأخير يبين أهمية القيمة لكل من الإنتاجية وسعادة الموظف في مكان العمل حيث يكون الموظفون أحرارا في تسمية عواطفهم أكانت المريرة منها والسعيدة. وعلى الرغم من أن المؤسسات أيا كانت، لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه بهذا الموضوع، فقد يتمكن المسؤولون يوما ما من بدء الاجتماعات بدعوة لمشاركة ما يشعر به الجميع... وفي الواقع يتوقعون إجابات صادقة!