ناصر بن سالم اليحمدي:
يتميز المجتمع العُماني بأن مبادئه تطغى عليها الجوانب الإنسانية في المقام الأول؛ لذلك نجد أن قِيَمًا كالتسامح والمحبة والتآلف والمساواة والتعاون والإيثار والتكافل وغيرها من الأخلاق الحميدة تسود بين أبنائه الذين تنتشر بينهم روح الجماعة والتي يعدونها واجبا وطنيا وإنسانيا، وربما هذا يتضح جليا عند حدوث أي كارثة طبيعية حيث يهب المجتمع عن بكرة أبيه لمساعدة المنكوبين.. وهذا ما ساعد في رُقي الوطن وسُمو مكانته اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وفي كل المجالات.
وهناك العديد من المبادرات التي يتبناها الكثير من المواطنين من خلال الجمعيات الأهلية والمؤسسات التكافلية والفرق التطوعية تقوم بدعم المحتاجين في المجتمع، سواء كان هذا الدعم عينيا أم ماديا أم معنويا.. المهم في النهاية أن أبناء المجتمع يشعرون كأنهم يد واحدة وجسد واحد كما وصفه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما أشار إلى أن "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".. وهذا ما يطبقه المجتمع العُماني بحذافيره.
ومن المبادرات الرائعة التي لها أيادٍ بيضاء في المجتمع مبادرة "فك كربة" الإنسانية التي تنظمها جمعية المحامين العُمانية والتي تتولى الإفراج عن المعسرين الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس في قضايا مدنية وتجارية وعمالية وشرعية.. وقد تمكنت مؤخرا في نسختها التاسعة من الإفراج عن "447" حالة حتى الآن موزعة على جميع محافظات السلطنة.
لا شك أن هذه المبادرة العظيمة تجسِّد المعنى الحقيقي للتكافل وتتوافق مع تعاليم الدين الحنيف؛ ذلك أن الغارمين أحد مصارف الزكاة الثمانية الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم بسورة التوبة.. فمثل هؤلاء تعرضوا لظروف اجتماعية ومالية صعبة أدت إلى تراكم الديون عليهم فأصبحوا أسرى للسجن رغم قلة المبالغ المطالبين بها.. من هنا تأتي أهمية هذه المبادرة التي تتمكن من جمع شمل الأسرة من جديد بعد سداد الدين عن المعسر.. ولكن نتمنى لو استطاعت جمعية المحامين العُمانية من جعل دورها ممتدا ومستمرا كأن توفر للمعسر فرصة عمل تتلاءم مع قدراته ومواهبه ومهاراته، وبالتالي تتيح له توفير دخل ثابت ومصدر رزق دائم يساعده على حل مشكلته من جذورها؛ لأن معظم هذه الفئات من محدودي الدخل إن لم يكونوا معدومي الدخل.
إن الشعب العُماني الوفي يثبت دائما أنه لحمة واحدة بمعنى الكلمة، وأن براثن الحداثة والعولمة وتطورات العصر لم تستطع أن تغير من أخلاقه وقِيَمه مهما مرَّ به الزمن؛ لأن مبادئه ثابتة وراسخة في نفوس مواطنيه وتسري فيهم مسرى الدم.. ومبادرات الخير كثيرة منها ما هو معلن بهدف تشجيع الجميع للاقتداء بها والمساهمة فيها، ومنها ما لم يتم تسليط الأضواء عليها وهي كثيرة، والهدف منها زيادة الترابط في المجتمع والعطاء دون انتظار مقابل وعمل الخير من أجل الخير فقط والتي بدورها تخلق مجتمعا متحابا ينبذ الأنانية والأثرة ومردودها سوف تحصده الأجيال القادمة محبة وتعاونا.
حفظ الله وطننا الحبيب ونشر بين الشعب العُماني الوفي الخير والمحبة.
* * *
منذ أن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية وبين الحين والآخر تثور في ذهني بعض الأسئلة مثل: ما الفرق بين الاحتلال الروسي لأوكرانيا وبين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟ ولماذا انتفض الغرب ـ أوروبا وأميركا ـ ضد روسيا وأعلنوا تضامنهم مع أوكرانيا وجندوا أبواقهم الإعلامية وأساليبهم الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والسياسية من أجل الضغط على روسيا للتراجع عن حربها؟ ولماذا لم نرَ هذه الأساليب تمارس مع إسرائيل؟ أليس دم الإنسان واحدا وحقوقه واحدة أينما كان على وجه الأرض؟ أم أن الدم الأوكراني أغلى من الدم العربي؟ ولماذا تُعد المقاومة الأوكرانية ضد القوات الروسية مشروعة بينما المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهابا..؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تقودني إلى عنوان واحد وهو "ازدواجية المعايير".
إن الدول الغربية ترفع في وجه روسيا شعارات حقوق الإنسان والعدالة والحرية، وهذه الشعارات لا نرى منها شيئا عند قيام دولة الاحتلال الصهيوني بشن غاراتها وانتهاكاتها اليومية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وضد مقدساته واستخدام القوة المفرطة ضده وارتكاب أبشع الجرائم في حقه وكأن مفهوم الإنسانية ينتفي عن الفلسطينيين.
الغريب أن دول الغرب لا تكتفي بالتغاضي عن انتهاكات النظام الصهيوني وتقف مكتوفة الأيدي تجاه ممارساته العدوانية، بل تعطي له أيضا الضوء الأخضر؛ لكي يعيث فسادا في الأراضي الفلسطينية بين انتزاع ملكية وهدم منازل وتهجير أصحابها وبناء مستوطنات جائرة، ناهيك عن التصرفات المتطرفة التي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها إرهابية ضد الفلسطينيين والتي بدورها تزرع بذور الإرهاب في العالم.
لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية زيف المبادئ الغربية، وأن شعاراتهم جوفاء لا أساس لها في الواقع؛ لأن القِيَم الإنسانية لا تتجزأ، والإنسان هو الإنسان أيا كان لون بشرته أو شعره أو عينيه أو جنسيته أو ثقافته أو دولته أو مكانه.. لذلك إذا أرادت هذه الدول أن تنال الزعامة التي تسعى إليها وتحلم بها وتدفعها لتحجيم القوى الصاعدة المناوئة لها، عليها أن تتخلى عن ازدواجية المعايير، وأن تطبق شعاراتها ومبادئ العدالة الحقة في كل مكان بحذافيرها وليس وفقا لمصالحها الشخصية.. فمما لا شك فيه أنه لكي يتحقق السلام لا بُدَّ أن يسود العدل، وأن تعود الحقوق المشروعة لأصحابها.. لهذا على المجتمع الغربي أن يكون واضحا وصادقا في توجُّهاته فلا تخالف أقواله الأفعال فينظر للقضية الفلسطينية بمنظار القضية الأوكرانية ويعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين على غرار ما يسميه احتلالا وغزوا روسيا لأوكرانيا ويعد أن المقاومة الفلسطينية ليست إرهابا بل هي حق مشروع للشعب لكي يسترد حقوقه المسلوبة وأراضيه المحتلة ويحافظ على ما يمتلكه من أراض وهذا ما أقرته القوانين الدولية.. ساعتها من الممكن أن تحظى تلك الدول بثقة المجتمع الدولي ككل وتستحق أن تحتل كرسي الزعامة.