تُشكِّل المؤسَّسات والصَّغيرة والمتوسِّطة أحدَ أهمِّ العوامل الرئيسة لتحقيق التنمية الاقتصاديَّة المستدامة في الدُّوَل النَّاميَة والكُبرى على حدٍّ سواء؛ كونها تنتج نحو (50) خمسين بالمائة من إجمالي الناتج المحلِّي في هذه الدولة أو تلك، لذلك تُعدُّ أحدَ أهمِّ محرِّكات النُّمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعيَّة في العالم، إضافة إلى دَوْرِها في حفز الابتكار والمنافسة في الأسواق، وما تستطيع أنْ تُحقِّقه من قيمة مضافة، لها مردود واسع على الميزان التجاري، وقدرتها على توفير مزيد من العملات الأجنبيَّة، وتحقيق الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعيَّة في مختلف بلدان المعمورة، وما تملكه من فُرص عمل محقَّقة تستوعب الباحثين عن عمل من الشَّباب. لقد أثبتت المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة قدرة فائقة في تحقيق قفزات اقتصاديَّة كُبرى في العديد من الدُّوَل، لدرجة جعلت الاقتصادات الكُبرى حَوْلَ العالم تتكون 90% من مؤسَّساتها الاقتصاديَّة من تلك المؤسَّسات الفاعلة والقادرة على إحداث الفارق الاقتصادي، وإنجاح سياسات التنويع.
ولعلَّ هذا ما يدفع العديد من دُوَل العالم ـ وعلى رأسها السَّلطنة ـ لتوفير كيانات تمويليَّة وحاضنة مُهمَّتها النُّهوض بقطاع المؤسَّسات الصَّغيرة، والعمل على توفير مناخ اقتصادي جيِّد يساعدها على الصُّمود في ظلِّ تقلُّبات الأسواق المحليَّة والدوليَّة، خصوصًا في ظلِّ الأزمات العالميَّة المُتتالية التي يتعرَّض لها الاقتصاد العالمي، وتؤثِّر على اقتصادات الدُّوَل النَّاميَة والكُبرى، مثل انخفاض أسعار النفط، وتداعيات جائحة كورونا "كوفيد19"، فبالرغم ممَّا تملكه تلك المؤسَّسات من خواص تحقِّق المكاسب للاقتصاد الوطني، إلَّا أنَّها بحُكْم التَّكوين، وضعف الإمكانات، تحتاج لعناية كُبرى، واحتواء من كُلِّ الجِهات الحكوميَّة والخاصَّة العاملة في البلاد، والعمل على تهيئة المناخ الاستثماري لهذه المؤسَّسات على المستوى المحلِّي، والدَّفع في اتِّجاه تسهيل قيامها، والعمل على توفير الأُطر والمتطلَّبات القانونيَّة والتشريعيَّة، وتقديم جميع أوْجُه الدَّعم والمُساندة القادرة على إحداث الارتقاء المطلوب بهذه المؤسَّسات، والعمل على فتح الآفاق لتطوِّرها على السُّبل والأصعدة كافَّة.
ونظرًا لأهمية تلك المؤسَّسات في إحداث نقلة للاقتصاد الوطني، جاءت الأمسية الثالثة لغرفة تجارة وصناعة عُمان مُنصبَّة حَوْلَ مناقشة التحدِّيات والصُّعوبات التي تواجهها المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة ودَوْرِ الجِهات والمؤسَّسات المعنيَّة في تسهيلها وتذليلها، وتوفير منتجات تمويليَّة تتناسب مع متطلَّبات المرحلة الحاليَّة، حيث دَعَت النقاشات إلى تقديم المزيد من الحِزم والدَّعم والتسهيلات لمؤسَّسات القطاع الخاصِّ بشكْلٍ عامٍّ والمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة بشكْلٍ خاصٍّ لرفْع قدرتها على تجاوز التحدِّيات التي خلَّفتها جائحة "كوفيد19" وبما يسهِّل عمليَّة تعافيها، بالإضافة إلى الدَّعوة إلى إيجاد منظومة متكاملة لتنظيم وتمكين المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة وإنشاء مركز موحَّد لإنهاء المعاملات لجميع المؤسَّسات ودعم المنتجات العُمانيَّة، ودعم روَّاد الأعمال من خلال تنمية وتمكين تلك المؤسَّسات، والتسويق والترويج والبحث عن فُرص لها، وإيجاد الوسائل التمويليَّة والنُّهوض بالصناعات الحرفيَّة وتطويرها.
إنَّ مِثل هذه النقاشات والاجتماعات التي تجمع الأطراف كافَّة السَّاعية لتطوير المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة، فُرصة لتبادل الرؤى، ووضع تصوُّرات تكامليَّة تستطيع أنْ تحقِّقَ المَرجوَّ، وتقدِّم الدَّعم المطلوب فنيًّا وماليًّا وإداريًّا، وذلك إدراكًا من الجميع أنَّ تلك المؤسَّسات هي القاطرة الحقيقيَّة للاقتصاد الوطني، وأنَّ توفير أوْجُه الدَّعم سيكُونُ له مردود كبير على عمليَّة النُّمو الاقتصادي المستدام، فتلك المؤسَّسات هي حجَر الزاوية في عمليَّة التنمية الاقتصاديَّة؛ نظرًا للدَّور المِحْوَري في زيادة الصادرات، إضافة إلى ما تتمتع به من مزايا في مجالات المهارات التنظيميَّة، والقدرة على الإبداع، واستيعاب التقنيَّات، وما تملكه من ملكات التعرُّف على السُّوق، وقُربها من المتعاملين فيه، وقُدرتها على إنتاج سِلع وخدمات جديدة تواكب هذه المعرفة السُّوقيَّة، كما تُعدُّ مخرجاتها بمثابة مدخلات لإنتاج سِلع وخدمات أخرى، وهو الدَّور الذي يَجِبُ أنْ تراعيه المؤسَّسات الكُبرى، وتسارع يدًا بِيَدٍ مع الحكومة لتوفر أوْجُه الدَّعم كافَّة لتلك المؤسَّسات الواعدة.