إعـداد ـ ناصر بن محـمـد الـزيـدي:
.. لا زال الـحـديث مـوصـولا عـن (الـصـراع بـين الـحـق والـباطـل)، حيث ذكر الله تعالى في مـعـرض الـحـوار بـين الأخـوين هـابـيـل وقـابـيـل: ولـكـن كـيـف نـعـرف الـمـقـبـول قـربانه ؟، ولـمـن يـوزع ذلك الـقـربان، ولا يـوجـد في ذلك الـزمـان فـقـير ولا مسـكـين ولا يـتـيـم ، ولا يـوجـد محـتـاج ؟، فـكانـت عـلامـة قـبـول الـقـربـان بـأن الله يـنـزل نـارا تـأكـل قـربـان الـمـقـبـول، ويـبـقى قـربـان غـير الـمـقـبـول عـلى حـالـته لـم تـمـسسـه الـنـار.
قـالـوا: فـعـمـد هـابـيـل إلى أفـضـل مـا عـنـده، فـقـربـه قـربانًا إلى الله تعالى وعـمـد قـابـيـل إلى أحـقـر مـا عـنـده فـقـربـه قـربـانًـا إلى الله تعالى، فـنـزلـت الـنـار فـأكـلـت قـربـان هـابـيـل، وهـو دلـيـل قـبـول قـربانـه، وبـقـي قـربـان قـابـيـل عـلى حـالـتـه وهـو دلـيل إلى عـدم الـقـبـول، فـغـضـب قـابـيـل عـلى أخـيـه هـابـيـل وهــدده بالـقـتـل.
لأن الـمـتـقي أقـرب إلى الله وأفـضـل وأكـرم، ولـكـن قـابـيـل لـم تـرقـه نـصـيحـة أخـيـه هـابـيـل، وتحـذيـره لـه مـن ارتـكاب جـريـمـة الـقـتـل بـغـير حـق فـجـريـمـة الـقـتـل عـظـيـمـة عـنـد الله، لاسـيـمـا إن الـمـقـتـول أخـا للـقـاتـل وأول جـريـمة قـتـل تـرتكـب عـلى وجـه الأرض، ومـن أجـل مـا حـصـل بـيـن قابـيـل وهـابـيـل بـقـتـل نـفـس بـغـيـر نـفــس، كـتب الله عـلى بـني إسـرائـيـل مـن قـتـل نـفـسًا بـغـير نـفـس فـكأنـما قـتـل الـناس جـمـيـعـا.
ولـقـد جـاء حـديث الـحـوار بـين الأخـوين في كـتـاب الله، فـمـا نـفـعـه كـلام ولا تـحـذيـر ولا تخـويـف أخـيـه إلـيه، لأنـه قــد عـمـيـت بـصـيرتـه فـأصـر عـلى الـقـتـل، وبـقي قابـيـل يحـمـل جـثـة أخـيه هـابـيـل لـم يـدر ما يـفـعـل بها وقـد أثـقـلـت كاهـله.
فـبعـث الله غـرابا يـبحـث في الأرض (أي: يحـفـر حـفـرة)، لـيـعـلـم قابـيـل كـيـف يـفـعـل بجـثـة أخـيه، وقالـوا كان قـابـيـل يحـمـل جـثـة أخـيـه أنى ذهـب، فـلـما رأى قـابـيـل الـغـراب يـبحـث في الأرض فـحـفـر حـفـرة فــدفـن فـيها الـذي جـاء به، فـفـعـل قـابـيـل كـمـا فـعــل الـغـراب فـحـفـر حـفـرة فـوارى فـيهـا جـثـة أخـيـه واسـتراح مـن حـمـلـهـا. ذلك الـحـوار الــذي جـرى بـيـن الأخـويـن هـابـيـل وقـابـيـل، كـمـا جـاء في الـقـرآن الـكـريـم فـهـل لـنـا أن نـعـتـبر مـن ذلك الـمـوقـف للـرجـل الـشـريـر، مـع أخـيه الـمـؤمـن الـتـقي مـوقـف الـرجـل الـشـقـي الـعـنـيـد قـابـيـل، ومـع الأسـف هـنـا في عــصرنا الحـاضـر نـرى صـورًا تـتـكـرر يـومـيًـا، قـتـل الأخ لأخـيـه بـل بـلـغ الـسـيـل الـزبى فـسمـعـنا مـن قـتـل أمـه وآخـر قـتـل ولـده وآخـر قـتـل ابـاه طـمـعـا أن يـرث أبـاه لأن أبـاه كان بخـيـلًا يجـمـع الأمـوال فـيحـرم نـفـسـه وأهـلـه وأولاده مـمـا أنـعـم الله بـه عـلـيـه مـن الـمـال وشـعـوبا تــقـتـل وعـائـلات تـشـرد وأراضي تستـقـطـع وثـروات تـنتهـب لـيـتـمـتـع بـها غــير أهـلـهـا، والـقـائـمـة طـويـلـة وعـريضة مـن أنـواع الـظـلـم.