طربت فرحا واطمأن قلبي وارتاح بالي وقرت عيني عندما قرأت خبر لقاء حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه وعافاه وألبسه ثوب الصحة القشيب ـ بوزير الخارجية الأميركي جون كيري في منزله العامر بألمانيا ليبحثا معا في أكثر من ساعة ونصف الساعة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.
لاشك أن كل عماني في حاجة للاطمئنان على صحة جلالة السلطان المفدى في كل دقيقة وكل ثانية لذلك فإني ممن يتحسس الأخبار التي تساعده على ذلك .. من هذا المنطلق فإن لقاء جلالته أبقاه الله بكيري أثلج صدورنا وملأها فرحا وسرورا وأطلق في نفوسنا شعلة النشاط والرغبة في زيادة الإنتاج والعمل الدؤوب من أجل رفعة الوطن وتجسيد آيات الولاء والوفاء لباني النهضة المباركة والحفاظ على منجزات العهد الزاهر وتنميتها وتطويرها .. فالاطمئنان على الأب الغالي بمثابة الحافز الذي يشحذ همم كل عماني للدفع بعجلة التنمية والتطور والنماء.
وتعتبر زيارة كيري لجلالته واستشارته في كثير من الملفات الساخنة خاصة قبل لقائه مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني دليلا على تقدير رأي جلالته السديد في معالجة الأمور وحكمته التي يلجأ لها المجتمع الدولي ليستقي منها الرأي والمشورة حيث إنها نبع لا ينضب يمد العالم بالرؤية الثاقبة الحكيمة .. كما أنها تجسد نجاح الدبلوماسية العمانية التي صارت تمثل القوة الناعمة للدولة والتي استطاعت بكل اقتدار أن تضع اسم السلطنة على قائمة الدول الداعية للسلام والوفاق في العالم والوسيط المثالي لحل المشاكل.
إن سياسة السلطنة كانت ومازالت قائمة على نشر مبادئ التسامح والتعاون والسلام ونبذ العنف في العالم .. إلى جانب ما تمتلكه من ملكة الإقناع بالحوار المثمر الهادف الذي يجنب جميع الأطراف الدمار والخسارة ويحقق الاستقرار والأمن للمنطقة وللعالم أجمع .. فقد نأت بنفسها عن أي صراعات إقليمية ودولية واتخذت من عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى شعارا وهو ما أكسبها احترام العالم وثقته المطلقة.
إن البصيرة النافذة والفكر المستنير لحضرة صاحب الجلالة هو ما وضع السلطنة في هذه المكانة الراقية على المجتمع الدولي .. ندعو الله العلي القدير أن ينعم على جلالته بتمام الصحة والعافية وأن يعيده إلى أحضان شعبه وبلده سالما معافى وأن يمد في عمره أعواما وأعواما ويبقيه دائما وأبدا ذخرا للبلاد والعباد .. إنه نعم المولى ونعم المجيب.

* * *
انتفاضة شارلي إبدو
عاشت فرنسا أجواء استثنائية من الحزن والخوف والغضب بعد الهجوم الدامي على مقر صحيفة شارلي إبدو والذي أدى إلى مقتل 12 شخصا وإصابة آخرين أعقبه هجوم آخر على متجر لبيع المأكولات اليهودية وأدى إلى مقتل خمسة أشخاص مما دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لحشد زعماء العالم لمسيرة تنديد بالاعتداءات الدامية ومحاربة الإرهاب شارك فيها الملايين في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ فرنسا .. فتشابكت الأيادي وعلت الهتافات المنددة بالإرهاب.
الغريب أنه بالرغم من أن المسيرة الهدف منها التنديد بالإرهاب إلا أن معظم من تقدموا الصف الأول أياديهم ملطخة بالدماء وعلى رأسهم الإرهابي الأول بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي قتل آلاف الفلسطينيين بدم بارد ولو طبق العدل في الدنيا لحوكم بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب .. كذلك أميركا وبريطانيا اللتان قتلتا الآلاف في العراق وأفغانستان وغيرهما .. بل فرنسا نفسها قتلت المئات في مالي وغير ذلك من الجرائم التي هي من وجهة نظر أصحابها "تخدم البشرية" وليست جريمة حرب بغيضة.
إن اعتداءات باريس مقارنة بما يحدث في بعض بلادنا العربية تكاد لا تذكر حيث يقتل كل يوم العشرات والمئات بسبب أعمال العنف التي ينفذها متشددون كهؤلاء الذين قاموا بتلك الاعتداءات إلا أن العالم انتفض ولم يهدأ حتى الآن وأصابع الاتهام تتوجه صوب المسلمين بصفة عامة حتى أن مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا التابع للمجلس الفرنسي للديانة المسلمة سجل عشرات الأعمال المناهضة للمسلمين بعد حادث شارلي إبدو ما بين إطلاق نار وإلقاء قنابل وتلقي تهديدات والتعرض للسباب والشتائم وحرق وتخريب للمساجد وجميعها أحداث لا يسلط عليها الإعلام الغربي الضوء بل مازالت وسائل الإعلام تتباكى على ضحايا الصحيفة وضرورة معاقبة كل المسلمين بسبب هذه الهجمات وهو ما يجعلنا نشكك في نوايا منفذي تلك الهجمات.
لاشك أنه قبل أن نحاسب الإرهابيين الذين قاموا بهجمات باريس علينا أن نسأل أولا عن السبب الذي جعلهم يقومون بهذا الفعل الإجرامي ؟.. ونحن هنا عندما نبحث عن السبب لا يعني أننا نسوق الأعذار لمرتكبي مثل هذه الأعمال الإرهابية بل لمحاولة علاجها وتلافي تكرارها في أماكن أخرى .. فما حدث في فرنسا يمكن أن يتكرر في دول غربية أو عربية طالما كان الدافع موجودا وإذا كان بالأمس قد وقع في فرنسا فلا أحد يعلم أين سيكون غدا.
هناك عدة أسباب يأتي على رأسها إصرار الصحيفة الفرنسية على نشر رسوم مسيئة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رغم علمها بأن هذا العمل سوف يستفز مشاعر الغضب لدى كثير من المسلمين وأنه مع تنامي التيارات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط فإنه من البديهي أن يطالها رد فعلهم على نشر تلك الرسوم بل الغريب أنها لم تتعلم الدرس وأعلنت بأنها سوف تنشر المزيد من تلك الرسوم على مدار العام .. وهنا نقول للقائمين على الصحيفة إن حرية التعبير لها حدود ويجب ألا تتعارض مع مبادئ الآخر وحريته في احترام مقدساته فيجب أن تراعي مشاعره وتحترم أفكاره وإلا انقلبت تلك الحرية إلى فوضى ووقاحة .. كما أن ما يعم الشرق الأوسط من إرهاب هو نتاج سياسة الغرب الخاطئة تجاه شعوب المنطقة فأميركا وإسرائيل وأوروبا هم من قاموا بتصدير هذا الإرهاب إلينا من خلال احتلالهم وغزوهم وقتلهم للشعوب العربية وتعزيزهم لنشر الإسلاموفوبيا حول العالم فبعد اعتداءات 11 سبتمبر دعا بوش إلى الحرب على الإسلام وليس على الإرهاب وسعى لنشر ما أسماه بالفوضى الخلاقة والتي كان أسوأ تداعياتها العنف والتشدد الذي يحصد ثماره المسلمون قبل الغرب.
لقد كان من بين ضحايا شارلي إبدو شرطي مسلم دفع حياته ثمنا لحماية الصحيفة حيث لم يكتف المجرم بإصابته بل أطلق النار على رأسه ليرديه قتيلا كما أن من أنقذ رهائن المتجر اليهودي عامل مسلم أيضا حينما خبأهم في غرفة التبريد بعيدا عن أعين الإرهابي الذي كان يبحث عن ضحايا ليقتلهم وهو ما يعني أن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام فالمسلم والمسيحي تعرضا لنفس الهجوم .. وإذا كان من قام بهذه الأعمال الإجرامية رفع شعار "انتقمنا للرسول" فإننا نتوجه له بالسؤال هل ما قام به يسعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا ؟.
الإجابة بالتأكيد لا .. لأن الرسول لاقى ألوانا من العذاب وتعرض للاتهامات البغيضة كالمجنون والكاهن والشاعر وطرد من بلده وبالرغم من ذلك حينما عاد إليها لم ينتقم لنفسه ولم يرفع سيفا في وجه أحد بالرغم من أنه كان في مركز قوة وعفا عن كل من أساء إليه وقال لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء" .. وهكذا هو المعلم الأكبر يعطينا درسا يجب أن نستفيد منه في حياتنا وهو التسامح أما لغة الدم والانتقام فليست من طباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا مبادئ دعوته .. وكما رفع الفرنسيون لافتات "كلنا شارلي إبدو" يجب أن نرفع نحن شعار "كلنا محمد" بالتخلق بأخلاقه واتباع سنته وتعليماته وتطبيق منهجه القويم في الحياة.
صحيح أنه ليس من حق الصحيفة الإساءة لرموزنا الدينية التي نجلها ونعظمها ولكن مقابلة الإساءة لا تكون بالعنف والقتل الذي هو لغة المجرمين بل هناك وسائل أخرى أرقى يمكن الرد بها على هذه الإساءات التي أعتبرها مصيدة وقع فيها المسلمون لتشويه صورتهم وإلصاق تهمة الإرهاب بهم وتحولوا من مجني عليهم بإساءة الصحيفة لهم ونشر صور مسيئة لنبيهم إلى جناة وقتلة وإرهابيين .. فما حدث من وجهة نظري هو مسرحية تتكامل فصولها في عدة مدن عربية وعالمية الهدف منها هو تنامي كراهية المسلمين بدليل ما صرح به نتنياهو قبل مغادرته باريس بأنه "حذر منذ سنوات من الإرهاب الإسلامي الذي يهدد البشرية".
لاشك أنه لكي نمنع وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل لابد من علاج الأسباب التي تؤدي إليها باحترام المسلمين فلا يسيء أحد لرموزهم الدينية أو يقوم بتهميش دورهم كما يحدث في المجتمعات الغربية فمن ينظر إلى حال المسلمين في فرنسا وحدها يجد أنهم يعانون من التمييز الاقتصادي والاجتماعي ويعيشون على أطراف المدن في مقاطعات نائية بالإضافة إلى تعرضهم للعنصرية في كل تعاملاتهم وهذا هو حالهم في جميع دول أوروبا .. كما يجب تطبيق القيم التي يتشدق بها الغرب دائما على العالم أجمع إذا كنا نريد القضاء على الإرهاب مثل الحرية والمساواة والعدالة فنرى ردة فعل مساوية لاعتداءات باريس على كل هجوم يقع في فلسطين أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو أي مكان في العالم .. ساعتها فقط سيختفي تجار الغضب الذين يتاجرون باسم الدين الإسلامي والدفاع عن النبي محمد.

* * *
آخر كلام
قال شاعر الحرية أحمد مطر : "هذا يذبح بالتوراة .. وذلك يذبح بالإنجيل .. وهذا يذبح بالقرآن !.. لا ذنب لكل الأديان .. الذنب بطبع الإنسان".

ناصر اليحمدي