علي بدوان:
كل الاحتمالات متوقعة في فلسطين، حيث تعتمل وتتفاعل الأوضاع بشكلٍ دراماتيكي يقود كل يوم لمزيد من المواجهات بين الشعب الفلسطيني وجيش الاحتلال ومجموعات المستوطنين المسلحين وغير المسلحين. وتتوسع وتشتد تلك التفاعلات أكثر فأكثر في قلب مدينة القدس، والمسجد الأقصى وباحاته، وعلى محيط المدينة. ففي كل يوم عشرات الإصابات بين المواطنين الفلسطينيين العُزَّل المتوجهين للمسجد الأقصى للصلاة، وخصوصًا أثناء وبعد صلاة التراويح، واستهدافهم من قبل الاحتلال بالرصاص الحي، والمعدني المغلف بالمطاط، والغاز المسيل للدموع...إلخ. وبالتالي في وقوع الإصابات بين الناس، وهي إصابات مُميتة في أحيان، أو تُلحق الضرر بالبشر خصوصًا في العيون.
وقد أصيب 152 مواطنًا على الأقلِّ حتى يوم العاشر من رمضان، واعتُقِل 476 فلسطينيًّا خلال المواجهات التي اندلعت بين المصلين في المسجد الأقصى المبارك وبين قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، التي اقتحمت المسجد يوم الجمعة الأولى من رمضان العاشر من نيسان/ابريل 2022، بعد صلاة الفجر، في اقتحام استمرَّ لساعات أسفرت نتائجه عن إصابة عشرات الفلسطينيين واعتقال قرابة 400 بينهم، فيما تحدثت شرطة الاحتلال عن اعتقال نحو 300 من المصلين. مع التضييق على المواطنين الفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، وفرض إغلاق شامل بادعاء سلطات الاحتلال مرور يوم حلول عيد الفصح اليهودي ليلة السبت ـ الأحد الماضيين 16 ـــ 17 نيسان/ابريل 2022.
إذًا، لقد أصيب عشرات الفلسطينيين بجروح وحالات اختناق في مواجهات نشبت بمدينة القدس والأقصى، وجوارها، وبمناطق متفرقة في أنحاء الضفة الغربية، تزامنًا مع عدوان وجرائم الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية، ومنها مناطق وقرى وبلدات: بيت عينون ومخيم العروب بمحافظة الخليل، وقرية حوسان، ومدينة بيت لحم، وفي بلدة بيتا جنوب نابلس، وقرية قريوت جنوب نابلس، وبلدة بيت دجن شرق نابلس، وبلدة كفر قدوم، ومخيم عايدة شمال بيت لحم. وفي قرية النبي صالح شمال غرب رام الله. ومخيم الجلزون شمال رام الله، وبلدة قراوة بني حسان، وقريتي بزاريا وبرقة، شمال غرب نابلس...إلخ.
وفي منطقة البلدة القديمة في القدس المحتلة، تُسجِّل جهود الشبان الفلسطينيين في الموقف والفعل الرائع، حيث يجلس مئات الشبان والشابات الفلسطينيين على درجات باب العامود لحمايته وحماية الأقصى من أي محاولات لاختراقه من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال، كما يجري الآن وكل يوم في رمضان المبارك.
إن الحديث عن انتفاضة كبرى ثالثة، غير دقيق، فالانتفاضة في فلسطين لم تتوقف أصلًا، لكنها كانت وما زالت تأخذ شكلًا ونمطًا معينًا تبعًا للظروف القائمة على الأرض، وتبعًا للوضع العام، ووفق ما يتوافر بيد المقاومين. من الحجارة إلى السكاكين إلى دهس جنود الاحتلال، إلى العمل الفدائي المسلح، كما وقع مؤخرًا في أكثر من مكان في فلسطين، وكان أروعها وأدقها عملية يافا التي نفذها الشهيد رعد فتحي حازم، والذي اشتبك مع جنود الاحتلال لساعاتٍ في مدينته يافا التي عاد إليها من مخيم جنين، وهو اللاجئ الفلسطيني ابن الداخل المحتل عام 1948.
بالمقابل، إن ما يجري، يترافق أساسا مع عودة سياسة ونهج الاغتيالات والتصفيات الجسدية التي تقوم بها الوحدات السرية "الإسرائيلية"، وتستهدف بشكلٍ رئيسي الشبان الفلسطينيين، خصوصًا في منطقة مدينة جنين ومخيمها الذي تحوَّل إلى أيقونة وطنية فلسطينية، ورمز كفاحي حي ارتسم في وجدان وضمير الأحرار، وما زال يقوم بدوره في مقارعة ومواجهة الاحتلال، خصوصًا وأن كل أبناء المخيم وعائلاته من لاجئ الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.
إنها مدينة جنين، جنين الشهيد عز الدين القسام، التي قارعت وما زالت تقارع وتواجه الاحتلال منذ ما قبل استشهاد الشيخ الوقور وبطل المقاومة الشعبية في جبال فلسطين عز الدين القسام نهاية العام 1935.
إن "عنتريات" قادة الاحتلال في أجهزة الأمن والجيش والسياسة في "إسرائيل"، بمواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل وبجسده العاري، ومن النقطة صفر، لن تجدي نفعًا. فالشعب الفلسطيني تمرَّسَ على المواجهة والتضحية، ولن تنال منه قوة وبطش الاحتلال، لذلك كانت خشية قوات الاحتلال من الدخول إلى مخيم جنين من وقوع الخسائر البشرية التي قد تصيبها كما وقع الحال عام 2002 عندما اقتحمت المخيم وتكبدت الخسائر في جنودها، فتراجعت ولم تدخل المخيم. إنه مخيم جنين كمخيم عين الحلوة واليرموك والشاطئ وجباليا وكل مواقع الصمود الوطني الفلسطيني.
أما في الجانب "الإسرائيلي"، وعند أصحاب القرار الأمني والعسكري والسياسي، فقد تضاربت المواقف بشأن كيفية الرد على المقاومين الفلسطينيين، جراء الصمود والثبات الفلسطيني الشعبي العارم، فكانت وسيلة الاحتلال بالعودة، واتفاق زبدة قادته ـ كما أسلفنا أعلاه ـ بالعودة لسلاح الاغتيالات والتصفيات الجسدية الغادرة، خصوصًا لقطاع الشباب والشابات. وهنا نُعيد التذكير بموقف رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت الذي قال وبكل عنجهية وسفور، وبتهديد واضح للفلسطينيين. قال: "نعمل من أجل تهدئة الوضع في جبل الهيكل (المسجد الأقصى) وكافة أنحاء إسرائيل. وإلى جانب ذلك، نحن جاهزون لمواجهة لأي سيناريو وقوات الأمن متأهبة لتنفيذ أي مهمة".
وعليه، إن كل الاحتمالات مفتوحة في فلسطين، فــ(الاحتقان والضغط يولّدان الانفجار)، وضغط الاحتلال لا بُدَّ سيقود نهاية الأمر لنهوض الشارع في فلسطين في عملٍ كفاحي سيأكل الأخضر واليابس في وجه الاحتلال وادواته من جيش ومجموعات المستوطنين فوق الأرض الفلسطينية. وهو ما سيعقّد المشهد في المنطقة ككل بالرغم من الأوضاع المتهتكة والمتردية جرَّاء الانقسامات في العالم العربي.