خميس بن عبيد القطيطي:
الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال في المسجد الأقصى، والتي تعبِّر عن حالة تمادٍ للاحتلال، تؤكد دائما على أن الاحتلال الصهيوني لا يعترف بالسلام ولا يعرف معنى السلام، ويعاود ممارسة سياساته بالاقتحامات والاعتقالات والاغتيالات والتنمر على أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل. وقد أدان عدد من الدول العربية تلك الممارسات التي ـ بلا شك ـ سوف تقود إلى مزيد من التوتر والمواجهات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
السلطنة عبَّرت عبر وزارة الخارجية في بيان: "تعرب وزارة الخارجية عن استنكار سلطنة عُمان وإدانتها للممارسات الاستفزازية واللامشروعة لإسرائيل وقواتها المحتلة للأراضي الفلسطينية واقتحامها المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف والاعتداء على المصلين الآمنين العزّل". كما أصدر سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة بيانا جاء فيه: "كما نسر ونُعجب بالموقف البطولي الذي يقفه المرابطون في ‎القدس الشريف لحمايته من تدنيسه برجس الاحتلال الصهيوني ونبتهل ونضرع إلى الله أن يُمد أولئك الأبطال بمدد نصره، وأن يشد أزرهم بملائكته بقدر ذلك نعجب ونتحير من هذا التخاذل الذي شمل الأمة الإسلامية لا سيما العرب عن نصرة إخوانهم".
الإدانات التي صدرت في أكثر من عاصمة عربية كإجراء سياسي مساند للقضية يتطلب المزيد من الحراك على مستوى المجتمع الدولي وهيئاته العالمية لإظهار صورة "إسرائيل" أمام العالم، ورغم أنه لا يردع الاحتلال، لكنه يظل رسالة سياسية إعلامية تعري هذا الاحتلال أمام العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا تأخر رد فصائل المقاومة هذه المرة؟!
ممارسات الاحتلال الهمجية تتزايد وقد تمادت بتدنيس قوات الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه باحات المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتواصل تنفيذ حملة اعتقالات للشباب الفلسطيني، وتنفيذ اقتحامات على أكثر من محور في قرى نابلس وبيت لحم وبعض القرى الفلسطينية الأخرى، ومنعت الشباب الفلسطيني دون سن الـ٣٥ عاما من دخول المسجد الأقصى لأداء الصلاة، وهكذا هي طبيعة الاحتلال عبر تاريخه لا يتوقف ويحاول إظهار قوته في مواجهة شعب أعزل، لكن الشعب الفلسطيني أثبت عبر مراحل التاريخ أنه يعادل قوى الأرض جميعا، فهو شعب المرابطين الذين قدموا الملاحم وقدموا دروسا من الرباط والجهاد في سبيل الله، ويعلمون أنهم يحملون قضية مقدسة ومشروعا عظيما لن يتحقق إلا على الأشلاء والدماء، فهم بين نصر واستشهاد، هكذا علمنا هذا الشعب البطل عبر تاريخ من النضال، هذا النضال سيعَمّد بالوعد الإلهي: "وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرض مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوًّا كَبِيرًا ۝ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مّفْعُولًا ۝ ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أكثر نَفِيرًا ۝ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا ۝ عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا" صدق الله العظيم .
سيف القدس قدمت أعظم الدروس في المواجهات مع العدو، ولا أظن أن فصائل المقاومة غافلة عن تلك الأحداث التي حدثت وما زالت تحدث في المسجد الأقصى، لكن قيادات المقاومة تمتلك من الفكر والتخطيط الاستراتيجي الذي يعتمد على العون الإلهي، ما يؤهلها في اختيار الزمان والمكان وتحديد حجم الرد. كل ذلك ـ بلا شك ـ وفق تقييم دقيق للواقع الفلسطيني وتقدير موقف مدروس ينتهي بخلاصة الرد (ماذا، متى، كيف، وبأي قوة)، وبالتالي فإن جميع العرب والمسلمين وأحرار العالم المهتمين بالقضية الفلسطينية يوجهون أنظارهم اليوم شطر المسجد الأقصى قلوبهم وأعينهم تترقب متى وكيف ستتدخل فصائل المقاومة لردع هذا المحتل، فالتجارب أكدت سلفا أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة وسياسة الردع وغير ذلك لا يكترث به.
الحقيقة الثابتة هنا أن حالة التمادي ستنتهي بمجرد انطلاق أول صاروخ للمقاومة ينتزع الأمن والأمان من دولة الاحتلال ويدخل الرعب في القلوب، ويزلزل به الأقدام، ويثبت قلوب المؤمنين المرابطين في الأقصى. وهنا على الاحتلال تحمل عاقبة تلك الانتهاكات التي تتكرر باستمرار، حينها لا يفيد استجداء التهدئة والهدنة ووقف إطلاق الصواريخ، فالموقف حينها ستقرره المقاومة من باطن الأرض إلى أعالي السماء، وهنا فإن على الاحتلال وقف تلك الاستفزازات والانتهاكات؛ لأن الأرض الفلسطينية سوف تتمخض عن صواريخ ومسيرات وعمليات فدائية ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، والعاقبة للمتقين الصائمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.