جودة مرسي:
خلال شهر رمضان الفضيل تكثر الزيارات إلى المساجد لكسب المزيد من التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ويتنامى مع هذه الزيارات والتقرب إلى الله الشعور الدائم بالمسؤولية الاجتماعية الذي ينبغي أن يطغى على أفراد المجتمع، ويكون الاستغلال الأمثل للحالة الإيمانية والروحانية التي يكتسي بها المسلم خلال أيام الشهر الفضيل، وقد تحدثنا في مقال سابق عن الزكاة؛ كونها أفضل أنواع التعاون الاقتصادي بين أفراد المجتمع وتأثيرها الإيجابي في اللحمة المجتمعية، ونشير اليوم إلى المسؤولية الاجتماعية بين المؤسسات الخاصة والمجتمع، والتي تُعرف بأنها المشاركة في الأنشطة الاجتماعية لتحسين المستوى المعيشي بإنشاء فرص عمل، والمساهمة في إنشاء الخدمات الصحية وغيرها من المشاركات الاجتماعية التي تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وقد تلاحظ خلال المتابعة المجتمعية أن هناك تضافرًا لجهود العديد من المؤسسات حول تفعيل دور المسؤولية الاجتماعية وفق أسس ونظم متبعة، ما يعطي انطباعا بأن هذه المؤسسات تشارك المجتمع وتسهم في تقديم الكثير من الخدمات التي تنم عن مدى حرصها ورغبتها في تقديم خدماتها على نطاق واسع. ويُعد القطاع الخاص هو المحرك الأساسي في خدمة المجتمع والمؤسسات الأهلية نظرا لحالة المرونة التي يتمتع بها والإمكانات اللوجستية المتوافرة لديه، مما ينعكس أثره في الرقي بالمجتمع والعودة بالمنفعة إليه في الإسهام برفع اسم هذه المؤسسات على مستوى السوق المحلي والقطاع الخاص. ويأتي تقديم الخدمات والدعم للعديد من المشاريع التي أسهمت ولا تزال في تخفيف معاناة الكثير من الأسر الضمانية وذوي الدخل المحدود، والتي بدأت في فترة زمنية فاعلة بقوة في سوق العمل مثل مشاريع سند.
إذا عدنا بكتب التراث إلى الوراء وبعثرنا أوراقها سنجد أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية ليس بجديد، بل يتزامن مع المراحل الأولى للوجود الإنساني، وبصور وأشكال متعددة، وبدأ يأخذ منحنى يتسم بالنضج والوعي بعد أن أصبحت الديانات السماوية تتبنى مجموعة من القِيم المرتبطة به وتشجع عليها، كالدعوة إلى إفشاء التعاون والمشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع والوقوف على التحديات التي تواجه أفراده بالمساعدة المباشرة أو توفير الأدوات الفاعلة للتنمية، وقد شاع استخدام مفهوم المسؤولية الاجتماعية وبلغ ذروته في القرنين الماضيين، وذلك بعد أن ارتبط بعلاقات مباشرة مع عدد من المجالات البحثية والمعرفية التي جعلته ركيزة أساسية ضمن منظومة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية. وقد كان الدين الإسلامي في صدارة الديانات التي تحث على المسؤولية الاجتماعية والتعاون البناء بين أفراد المجتمع كما ورد في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فأصبح لزامًا على المجتمع بمختلف شرائحه الإيمان بمفهوم المسؤولية الاجتماعية لما له من أهمية بالغة في سبيل المشاركة مع الحكومات لتوفير احتياجات شعوبها المستمرة، علاوة على مساهمة المسؤولية الاجتماعية في إيجاد تنمية شاملة ومستدامة تنعكس إيجابا على تحقيق رفاهية المجتمعات، وتعود بالأصل إلى تنمية المؤسسات وانجاحها. حيث إن توجه مؤسسات وشركات القطاع الخاص إلى تطبيق فلسفة المسؤولية الاجتماعية يسهم بصورة أكثر فاعلية في الجوانب التي تضمن تطور المجتمع، ويؤمن الجانب التسويقي لهذه المؤسسات، علاوة على خلق فرص وظيفية من خلال إيجاد مشاريع خيرية واجتماعية جديدة. مع مراعاة الآليات التي يمكن اتخاذها لتطبيق المسؤولية الاجتماعية كمفهوم استراتيجي للمؤسسات، ومتطلبات الشـــراكة بين المؤسسات والفـرد والمجتمع لتطبيق هذه المفـاهيم التي تعود على الجميع بالمنفعة والمصلحة العامة المشتركة.
إن المسؤولية الاجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالتآلف بين أفراد المجتمع وإذابة الفروق بين الطبقات من الناحية الاجتماعية والنفسية، فتزيل الأحقاد والضغينة بين أفراد المجتمع، كما أنه لا ينبغي المعول فقط على المؤسسات الحكومية؛ لأن المؤسسات الخاصة لها آليات أسرع ومرونة أكبر في تنفيذ المشاريع المرتبطة بالمسؤولية المجتمعية. وخلاصة القول إن هذه المسؤولية تنفيذ لتعاليم الأديان السماوية، وفي الصدارة منها ديننا الإسلامي الحنيف، فيجب انتهاز روحانيات الشهر الكريم وما يمدنا من طاقة إيجابية كبيرة تتمثل في صفاء النفوس وحب الخير لنربح أجر الدنيا والآخرة.