عادل سعد:
بينما تحتل ضياعات الوقت الحيز الأكبر في التشخيصات التحذيرية من هذا الهدر، يظل (احتكار الوقت) مهملًا بمعزل عن الاهتمام رغم مخاطره البنيوية المتعددة وسطوته بوصفه عامل تحريض على تراكم هذه الضياعات، بل ويمثل واحدًا من أكثر الأسباب شيوعًا في تكريس ركود العمل والانشغالات الجانبية.
لقد أباح احتكار النفوذ على الساحة الدولية احتكار وقت العالم بمواقف وأجندة قائمة على نزعات التغالب، مما أحدثَ أضرارًا بليغةً في توجُّهات البشرية المتطلعة إلى فض النزاعات سلميًّا وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على الحلول الودية وليس السابع الذي ينص على استخدام القوة في التعاطي مع هذه النزاعات، بل إن دولًا بعَيْنها احتكرت وقت العالم على أساس احتكار النفوذ وأطاحت بالعديد من فرص تحقيق العدالة وضياع المزيد من جهود السلام وإهمال القيمة التضامنية الكامنة في مفهوم مصيرنا المشترك.
إجمالًا نستطيع أن نتلمس سؤالًا جوهريًّا في أغلب مواقف الدول النامية: أين حقنا من الوقت؟ وحسبي أن أجندة الفكرة التضامنية لقمة دول الجنوب التي انعقدت في هافانا عام 2001 ارتكزت بطريقة ما على مفهومٍ يدعو للكف عن احتكار وقت العالم، وبالتالي الكف عن احتكار الفرص، وبالسياق أن العولمة بنسخ الشركات العابرة للقارات هي في حقيقة الأمر تُمثِّل وثائق دامغة لاحتكار الوقت.
لقد كشف عن ذلك الخبير الاقتصادي الأميركي جون بيركنز في كتابه (الاغتيال الاقتصادي للأمم) إذ يُمثِّل اعترافه إشارة واضحة إلى آليات الهيمنة على وقت دول بعَيْنها.
هناك الآن أكثر من عقدة دولية تمولها نزعات احتكار الوقت لصالح القوى الغاشمة والتصرف بالمصائر الإقليمية والدولية توظيفًا واضحًا لاحتكار الوقت لصالح نخب فحسب، بالسياق ذاته يظل احتكار الوقت في الميادين الإدارية والعلاقات العامة كماشة استحواذ على مقاليد الأوضاع بعيدًا عن عدالة الاهتمام التي ينبغي أن تتوزع على جميع متطلبات الحالات القائمة.
أقصد باحتكار الوقت أيضًا (حبس) الوقت والمبالغة في تجييره لقضية دون غيرها من قضايا أخرى هي حاجة ماسَّة لأن تكون تحت النظر، أو لتوظيفه لصالح الإهمال والتسيب، وبمعنى مضاف التصرف به مجرد سلعة يتم التحكم بها وفق مشيئةٍ معيَّنةٍ لا تدر أية فوائد تتناسب وما صرف لها من انتظارات، وحسبي أن فكرة مسرحية في انتظار جودو للكاتب الفرنسي صمويل بيكيت تقوم على ذات النوع من الانتظارات السائبة والتهويم معها بالرغم أنها غير ذات جدوى.
البعض يحتكر الوقت مع سبق الإصرار والترصد حين يغطي قصوره في النظرة الشمولية التي يتطلبها بناء ما؛ فيصاب العمل بحالة من الركود التام وليس المعاينة والمراجعة والتصحيح. ولك أن تضيف لهذه النزعة الاحتكارية ما يعتمده مسؤول عمل صاحب نفوذ إداري حين يصر على تمرير أجندته هو وليس على وفق ما يقتضيه حال مؤسسة تتطلب حركتها رؤية استشارية وليس بالنزعة السلطوية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن هناك الآن في العراق مؤسسات يديرها أشخاص مصابون بنزعة الأنا منغلقون على أنماط معرفية غيبية بينما الواقع يتطلب ديناميكية لتحقيق ما يسمى معرفيًّا القيمة المضافة على وفق التوصيف الاقتصادي، أي (القيمة التي تطرأ على المادة في تحولها نتيجة عملية إنتاجية).
عندما يسود احتكار الوقت تستطيل القضايا الهامشية، ويتعاظم الانشغال في قضايا جانبية على حساب متطلبات عمل ما دون غيره، ومقابل ذلك يبقى احتكار الوقت مشروعًا حين يكرس زمنًا معينًا لقضيةٍ طارئةٍ مستجدةٍ فرضتها متغيرات غير محسوبة، وهكذا حين يُحتكر الوقت الآن لدراسة موضوع الأمن الغذائي عالميًّا في ظل الوقائع التي فرضتها الأزمة الأوكرانية بتداعياتها الكارثية على تجارة الغذاء يبقى احتكار الوقت في هذه الجزئية من الواقع ضرورة ملحَّة في كل الأحوال، لكن السؤال الجانبي الجوهري هنا: كيف يمكن أن نحرر الوقت من النزعة الاحتكارية العامة؟ لا شك أن الأمر يتطلب التحرر من نزعات التفاطن التي تستمكن في توجُّهات الحكومات حين تجد نفسها في مأزقٍ ما لم تشتغل على أساس نظرية الاحتمالات وما قد يتمخض عنها من طوارئ.
بخلاصة تحليلية احتكار الوقت يعني المخاطرة به بعيدًا عن التوزيع العادل لاستحقاقاته التي تشمل جميع المتطلبات، وقديمًا قيل (الوقت المناسب لإصلاح السقف هو وقت سطوع الشمس).