علي بن سالم الرواحي:
أدب القصاص لدرء الجريمة:
أ) القصاص في القتل:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 178 ـ 179).
معاني المفردات: القصاص: تتبع الدم بالقود، والعبد: المملوك، وحياة: بقاء شامل عميم.
التفسير الإجمالي: سورة البقرة مدنية تحدثت عن انقسام الناس إلى ثلاث طوائف:(مؤمنين وكافرين ومنافقين) ثم حكت لنا قصة الذين كفروا من بني إسرائيل وتفنيد مبطلاتهم، وبينت الأحكام التشريعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات المشرعة للذين آمنوا، وجاءت هذه الآية من ضمن الآيات المشرعة، وتفسيرها كما يلي:(كتب) فُرِض (عليكم القصاص) من القاتل (في القتلى) أي المقتولين، ويقتص من القاتل إذا لم يتنازل ولي القتيل عن الدم إلى الدية أو العفو، ويكون بالمساواة فلا يُقتَل عبد مكان حر ولا العكس، كما إن العفو مطلب إسلامي سامٍ، لذلك عبّر سبحانه عن العافي وهو ولي القتيل بلفظة (أخيه) ليتذكر العافي رابطة الإيمان التي بينه وبين المعفو عنه، فيكون أدعى إلى العفو، فإن عفا وطلب الدية فعليه أن يطالب بها باللين والرفق، وعلى القتيل وأولياءه أن يؤديها إليه بإحسان دون مماطلة ولا نقص، وفي القصاص حياة دائمة ليست فقط لمن يريد أن يُقتَل وإنما لذريته من بعده أيضًا، ولولاه لتحول المجتمع الإنساني إلى شريعة الغاب، متجردة عما حباه الله من العدل ومعرفة الحقوق المتبادلة بين افراد البشر، ولانحطت درجة الإنسان إلى دون درجة الحيوان، والهدف من القصاص هو (تقوى الله) لأن من يقتل فإنه معاقب في الدنيا بالقصاص وفي الآخرة إذا لم يتب، وعليه أن ينزجر عن معصيته، أو خوف أن يقتل لأنه سوف يُقتَل بسببه قصاصًا.
ـ القصاص في الجروح: قال الله تعالى:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) (المائدة ـ 45).
معاني الكلمات:(تصدق به): عفا عن القصاص، (كفارة له): مغفرة لذنوبه.
التفسير الإجمالي: سورة المائدة مدنية تناولت جوانب التشريع وبعض جوانب العقيدة وقصص أهل الكتاب، وهي آخر ما نزل من سور القرآن، ومن ضمن ما حكت القصاص المكتوب في التوراة، قال تعالى:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)، والقصاص هو الفعل في الجاني نفس ما جناه، فإن تنازل صاحب الحق عن حقه فتنازله كفارة لذنوبه، قال تعالى:(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أو كفارة للجاني بسقوط القصاص عنه، وسماه تصدقًا ترغيبًا فيه.