إبراهيم بدوي:
يأتي اجتماع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب من لشتنشتاين لمناقشة مشروع قرار دعمته واشنطن يلزم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بتبرير استخدامها لحق النقض، كخطوة مفهومة النيات تسعى إلى تحجيم الفيتو الروسي، خلال الأزمة الأوكرانية الروسية، والعمل على تمرير قرارات سيكون الفيتو الروسي وفق نظام مجلس الأمن الحالي في التصويت حائلا دون استصدارها على الأقل. فواشنطن وحلفاؤها يطمحون لاتخاذ قرارات عقابية ضد موسكو، بشقيها الاقتصادي والسياسي، خصوصا بعد فشل الضغط عسكريا بأي شكل تجنبا لتطور الأحداث لصدام بين أكبر قوتين على الكوكب. ورغم أن هذه الفكرة المطروحة منذ مدة طويلة، وتهدف لدفع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لتخفيف استخدام حق النقض (الفيتو)، إلا أن إعادة طرحها مجددا يأتي في إطار مساعي واشنطن للضغط على موسكو، خصوصا وأن (الفيتو) الروسي يشل أي تحرّك في مجلس الأمن الذي يفترض أن يتدخل في هذا النوع من النزاعات كضامن للسلام العالمي، بناءً على ميثاق الأمم المتحدة.
وأعتقد أن تلك الخطوة لن تتعدى (الضغط) على موسكو، فواشنطن ليس لديها الجدية الكافية أو القدرة لمواصلة محاولة تغيير النظام الحالي لمجلس الأمن، أولا لأن واشنطن تعد من أكثر الدول التي استخدمت هذه الميزة في العقود الأخيرة، سواء لوقف قرارات تدين تحركها العسكري خارج مجلس الأمن، أو للدفاع عن حلفيتها إسرائيل، حيث استخدمت أميركا الفيتو حوالي 79 مرة، منذ عام 1946 حتى عام 2015، حوالي 43 مرة استخدمت فيه واشنطن تلك الخاصية لصالح إسرائيل، حيث جاءت المرة الأخيرة بعد تصويتها ضد مشروع قرار مصري يرفض إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها من تل أبيب، وهو قرار يعكس أهمية هذه الأداة لواشنطن، فقد صوتت 14 دولة بالموافقة على القرار، ورفضته واشنطن وحدها، فهل ستفقد واشنطن نفسها أحد الأسلحة المهمة الذي استخدمته دبلوماسيتها طوال عقود لحماية نفسها وحلفائها، والتي كانت درعا ضد أي عقوبات، ووسيلة للإفلات من العقاب.
أما السبب الثاني فالنص بالتأكيد يحتاج لتصويت موافقة دول تتعارض مصالحها مع هذا القرار، مثل بريطانيا والصين وروسيا، التي سيكون دعمها أساسيًّا لمبادرة مثيرة للجدل كهذه، وأعتقد أن تلك الدول، وقبلهم واشنطن، سترفض، بالإضافة إلى دول أخرى تسعى للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن مثل ألمانيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، وترغب في أن تظل أدوات ومميزات أصحاب المقاعد الدائمة كما هي. والسبب الثالث أن الحرب الروسية الأوكرانية، رغم تداعياتها وتأثيراتها على مستقبل العالم، إلا أنها في حد ذاتها لن تكون دافعا قويا، يغير من تركيبة أدوات القوى التي ارتضى بها المنتصرون في آخر حرب عالمية، فإحداث تغيير كهذا يحتاج لمزيد من التعديلات على أنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وبرغم ما خلَّفته تلك الأدوات الجائرة من ضياع حقوق شعوب ضعيفة، وحافظت على مكتسبات الدول العظمى وأطماعها، إلا أن تغيير نظام التصويت في مجلس الأمن يحتاج إلى طرح مغاير عن الطرح الأميركي، فأميركا تسعى إلى قرار يفصل على المقاس الروسي، ويسعى إلى تقييد القدرات الروسية في مواجهة التحركات الأميركية، وليس إلى تحقيق العدالة المفقودة، فمن يبتغي العدالة، عليه إلغاء هذا النظام غير العادل في التصويت، النظام الذي سمح لدولة مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي من الهروب من التزاماتها، والضرب بعرض الحائط بكافة القرارات الأممية السابقة، والذي كتف أيدي المجتمع الدولي من اتخاذ قرار يمنع الاحتلال الأميركي للعراق، والذي اتخذ دون قرار أممي، وغيرها من القرارات التي أفقدت شعوبا عدة ثروات وحقوقا.