د. يوسف بن علي المُلَّا:
كلنا لاحظنا، قبل فترة وجيزة من الزمن، كيف كثر الجدال بين الأشخاص من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وما آل إليه بالأخير من سوء فهم وجدال حادٍّ قد ينتهي بشكل مؤسف إلى الضغينة! فما فائدة الجدال مع من يخالفك؟ لعلَّك من المفترض تريد منهم أن يغيروا رأيهم، ولكن قول ذلك أسهل من فعله! فتغيير العقول، وخصوصًا تغيير المعتقدات المرتبطة بقوة بهُوية الناس مثلًا، أمر صعب للغاية.
وهكذا فإن الطريقة التي يميل الناس إلى المجادلة بها اليوم، خصوصًا عبر الإنترنت، تجعل الأمور أسوأ. يمكن أن تبدو الخلافات وكأنها حرب يحفر فيها المقاتلون الخنادق على جانبي أي موضوع ويطلقون أفكارهم ذهابًا وإيابًا مثل القنابل اليدوية. لذلك لن تلوم أي شخص متورط؛ لأنه يشعر وكأنه يتعرض لإطلاق نار، وليس من المرجَّح أن يغير أحد رأيه عندما يتعرض للهجوم!
بل وقد تمنح هذه الأنواع من المعارك ـ إنْ صحَّ لي القول ـ كل شخص مشارك بعض الرضا على المدى القصير. فيظن أنهم يستحقون ذلك؛ لأنه على حق وهم سيئون! والأصح أنه لا يوجد أي من المعسكرين، أي تأثير على الآخر. فعلى العكس من ذلك تمامًا، أعتقد هنا جزمًا أنه إذا كنت تريد فرصة لتغيير العقول أو الأفكار، فأنت بحاجة إلى استراتيجية جديدة: كأن تتوقف عن استخدام قِيَمك كسلاح، وابدأ في تقديمها كهدية.
لا سيما وأنه عندما يفشل الناس في الالتزام بقِيَمك الأخلاقية مثلًا (أو تعبيرك عنها)، فمن السهل استنتاج أنهم أشخاص غير أخلاقيين. علاوة على ذلك، إذا كنت مرتبطًا بشدة بقِيَمك، فقد تشعر أن هذا الاختلاف يُمثِّل تهديدًا لهُويتك، مما يؤدي بك إلى الهجوم، الأمر الذي لن يقنع أي شخص يختلف معك. ألست معي أنه إذا أهين شخص ما في خلاف، فالاحتمالات هي أنه سيقوي موقفه ضدك!
لذلك يتطلب حل هذه المشكلة تغيير الطريقة التي نرى بها قِيَمنا أو أفكارنا ونقدمها. ما أعنيه هنا أنه إذا أردنا أي فرصة للإقناع، يجب أن نقدمها بسعادة. الجدال والتعصب شيء قبيح، فهو مصمم للإكراه والكره. بينما أسلوب الهدية هو شيء نعتقد أنه مفيد للمتلقي، والذي نأمل أن يقبلها طواعية، ويفعل ذلك بامتنان. وهذا صراحة يتطلب أن نقدمها بالحب لا بالسبِّ والكراهية. لذلك هناك خطوات ـ على سبيل المثال ـ لجعل هذا أسهل منها: أن تجلب من يجادل معك إلى دائرتك للاستماع إلى آرائك، طالما أن القيام بذلك لن يدعو إلى الإساءة. وأيضا لا تأخذ الرفض دائما على محمل شخصي. ولعلِّي أظن هنا أن أهمَّ خطوة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بتغيير اعتقاد شخص ما، هو أن يكون الاستماع أقوى من التحدث. فالاستماع، بالطبع، هو هدية بحدِّ ذاته، حتى أنك قد تقول: إذا كان شخص ما يسيء إليك لفظيا، فإن أفضل إجراء هو عدم الانخراط على الإطلاق.
ختامًا، إذا كان الشخص يعتقد في نفسه حقًّا أن فيه خيرًا كثيرًا للناس، فعندئذ يجب ألا يقع فريسة لغرور المعرفة الكاملة، ويجب أن يكون على استعداد لفتح طرق جديدة وأفضل لخدمة هدفه والناس من حوله وبسعادة. وهنا أؤكد دائمًا أن إطلاق قنبلة خطابية قد يمنحك القليل من الرضا ويكسبك القليل من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يشاركونك آراءك، لكن الكرم والانفتاح لمن حولك هما ـ بلا شك ـ فرصة أكبر لجعل الناس أفضل وأقرب على المدى الطويل.