تُرسِّخ الدبلوماسيَّة العُمانيَّة يومًا بعد يوم إمكاناتها وعلاقاتها الخارجيَّة القويَّة كافَّة في تحقيق السلام على المستوى الإقليمي والعالمي، والانتصار للحقوق الإنسانيَّة والقضايا العادلة للشُّعوب، مستفيدةً ـ في سبيل تحقيق ذلك ـ ممَّا تملكه من علاقات وطيدة ممتدَّة على مدى التاريخ. فالتعاون الإيجابي الذي تقيمه السَّلطنة مع محيطها الإقليمي والعربي، وسياسة الحياد الإيجابي التي التزمت بها على مرِّ التاريخ العُماني، والالتزام بالقِيَم الراسخة التي تقوم على التسامح والإخاء، كلُّها أسباب مكَّنت السَّلطنة لكَيْ تكُونَ بوَّابة لحلحلة الأزمات المستعصية، وإيجاد حلول وسط تُرضي جميع الأطراف، وتكُونَ على أُسس من القانون الدولي، وتُراعي مصالح الجميع، بعيدًا عن التشنُّجات التي تستعر من خلالها الصراعات. فالسَّلطنة تمتلك سياسة خارجيَّة تقوم على مرتكزات رئيسة، أبرزها عدَم التدخل في الشؤون الداخليَّة، والتأكيد دائمًا على حلِّ الصراعات السياسيَّة في المنطقة والعالم بالطُّرق السلميَّة، كما أنَّها تنأى بنَفْسها عن الدخول في أحلاف ومحاور إقليميَّة تعيق دَوْرَها الحيادي السَّاعي لإحداث التقارب المنشود بَيْنَ الدُّوَل التي تنشب بَيْنَها خلافات، لتَكُونَ ملجأً أخيرًا لمَنْ أعْيَتْهم الصراعات.
ومن هذا المنطلق، تلعب السَّلطنة دورًا محوريًّا في الأزمة اليمنيَّة، حرصت فيه على الالتزام بالحياد الإيجابي، والعمل مع جميع الأطراف على تحقيق ما يصبُّ في مصلحة اليمن الشقيق وشَعْبِها، وفتح أبوابها أمام الحالات الإنسانيَّة، خصوصًا علاج مصابي الأزمة، دُونَ النظر إلى الانتماءات التي تُحدِّد اتِّجاهات النَّاس، ولا يتخطَّى الدَّور العُماني السَّعيَ لتحقيق المصالح اليمنيَّة، وأضحت السَّلطنة بابًا مفتوحًا للدُّوَل الأخرى التي لها رعايا تسعى إلى الإفراج عنهم في اليمن، والذين يعرفون الدَّور الحيَوي والمؤثِّر للسَّلطنة، ومدى الاحترام الذي تملكه في نفوس كافَّة الأطراف اليمنيَّة الفاعلة في الصراع.
وتأكيدًا على تلك السياسة وامتثالًا للأوامر السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالعمل على تلبية التماس حكومات المملكة المُتَّحدة وجمهوريَّة إندونيسيا وجمهوريَّة الهند وجمهوريَّة الفلبين للمساعدة في الإفراج عن (14) أربعة عشر شخصًا من رعايا هذه الدُّوَل المُتحفَّظ عليهم في اليَمن على خلفيَّة قضايا مختلفة، حيث قامت السَّلطنة بالتنسيق مع الجهات المعنيَّة في صنعاء، التي تجاوبت مع هذه المساعي.
ونظرًا لِمَا تملكه السَّلطنة من علاقات أخوَّة متينة مع جميع الأطراف الفاعلة في اليمن، وكذلك علاقات راسخة مع المملكة العربيَّة السعوديَّة، والتي ساعد التواصل معها على تسهيل إصدار التصاريح اللازمة، تمَّ نقْل المُفرَج عنهم من صنعاء إلى مسقط على متن طائرة تابعة لسلاح الجوِّ السُّلطاني العُماني؛ تمهيدًا لعودتهم إلى بلدانهم، لِتُثبت السَّلطنة يومًا بعد يوم قدرتها على تلبية الاحتياجات الإنسانيَّة للأشقاء والأصدقاء، مستخدمةً ـ في سبيل ذلك ـ الإرث التاريخي والصلات القويَّة، وما تملكه من تفاعل حضاري مع مختلف شعوب المنطقة والعالم، وبذل الجهد البنَّاء لصالح دُوَل المنطقة وشعوبها والعالم من حَوْلِها؛ إدراكًا منها بأنَّ توطيد دولتها العصريَّة يحتاج دائمًا إلى توطيد الاستقرار وزيادة النَّماء والازدهار في المنطقة والعالم، لذا تعمل دائمًا على معالجة أسباب التوتر في العلاقات الدوليَّة، والسَّعي إلى حلِّ المشكلات المتفاقمة حلًّا دائمًا وعادلًا يعزِّز التعايش السِّلمي بَيْنَ الأُمم، ويعود على البَشَريَّة جمعاء بالخير العميم، وتحقيق السلام والأمن والاستقرار؛ لأنَّها تعي أنَّ تحقيق تلك الغايات ضرورات لا غنى عنها للبناء والتنمية وصنع حياة أفضل، وتكريس كُلِّ الجهود لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة مع الأشقاء والأصدقاء على كُلِّ المستويات.