د. جمال عبد العزيز أحمد:
عيد الفطر المبارك يأتينا ،بعد طاعة دامت ثلاثين يومًا هي صيام رمضان، حيث كانت النفوس فيها مشحونة، تتنافس في الطاعات، وتتسارع في القربات، وتسعى في بذل الخيرات، وكانت الأرواح فيه متآلفة، والقلوب على حب الله ورقابته مجتمعة، ومتلاقية على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
والأعياد في الإسلام لها ضوابطها، وخصائصها، كما لها تربوياتها، وقيمها التي أرصد منها الآتي
** فمن خصائصها أنها أعياد ربانية، وضعها الله بذاته العلية، وضعها عقبَ كل طاعة؛ إدخالا للسعادة على قلوب الطائعين،وإشعارًا بقبول أعمالهم،وأنها قد زيَّنتْ صفحاتهم،فيها الذكر، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والصلاة، والتهجد والقيام، والصدقات، وصلة القربى، والأرحام، وكثرة السجود بين يدي الله الملك العلام: غدوا ورواحا، ومساء وصباحا، بقلب سليم، وفؤاد مقبل، ومفعم بحب الله، وعبادته، وات جاءت بكلها لربها عابدة.
✱✱ ومن خصائصها كذلك أنها أعياد تكافلية؛ حيث يعطي الغني الفقير، والقوي الضعيف، والكبير الصغير،والواجدُ المليءُ المسكينَ الضعيفَ.
فرمضان على جلالته، وسمو قدره لا يُرفَع إلى الله إلا بصدقة الفطر، فالله قد تكفل للفقراء أن يتحدث عنهم، ويرقق قلوب العباد عليهم،فيقول الرسول الكريم في أهداف صدقة الفطر:»اغنوهم عن السؤال في هذا اليوم»، وقال في شأن الصدقة:»هي طعمة للمسكين، وطهرة للصائم من اللغو والرفث»،فهي أعياد يتكافل فيها المجتمع المسلم، ويترابط فيها أفراده، ويمتِّنُون علائقهم، ويوثقون عُرَى محبتهم،وترى شرائح المجتمع كلها متآلفة، وقلوبَهم متحابةً متوادَّة، الفقير يدعو للغني بزيادة الغنى، والسعة، واليسار،والغني يعود عليه: رعايةً، وعنايةً، وحنوًّا، وحدَبا وإكرامًا، وعطاءً، ويكون الناس جميعا متكاتفين، متلاحمين، متعاطفين كالجسد الواحد،كما قال الرسول الكريم.
✱✱ ومن خصائصها أنها أعياد دينية تعبدية، فيها الفرح، ويتخللها السعة، والمرح، فعيد الفطر فيه الصدقات، ويعود فيها الموسر على المعسر، والغني على الفقير، وفيها التزاور، وتبادل التهاني، وإسعاد الأطفال، والأولاد بما يسمَّى عِدِيَّةَ العيد، وهي مال يعطى للأولاد في هذا اليوم؛ ليخرجوا، ويتفسحوا، ويلعبوا، ويُسعِدوا أنفسهم ، ويسلم بعضهم على بعض، ويتزاورون فيما بينهم، ويهنئ بعضهم بعضًا، وتجد عبارات التهاني تتنوع، وتتعدد، فمنها: «هنئتم بالعيد»، و»عساكم من عواده»، و» كل عام وأنتم بخير»، و»تقبل الله منا ومنكم»، «عيد سعيد علينا وعليكم»، و»أتم الله علينا وعليكم النعمة»، وبعضهم يتراسل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب بعد المسافات، ويرسل رسائل التهاني، مصحوبة بالأدعية ، والتمنيات، وأشكال الفرحة، وأيقونات المحبة والألفة، وباقات الورود، والياسمين.
✱✱ ومن خصائصها كذلك أنها دائمة، بمعنى أن الطاعة قبلها، والتي كانت سببا فيها تظل طيلة العام، وأن شأن المسلم استدامة الطاعة في رمضان، وغير رمضان،يقول الله -تعالى-:»فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب».
أيْ إذا فرغت يدك من الطاعة، عاجلتْها النفس بأخذها إلى الطاعة المتجددة، والسير بها في طريق الإيمان،فلا مجال لكسل، ولا محل لحرق الساعات دون ذكر، أو شكر، أو عبادة، أو ذكر، أو صلاة، أو نحوها من ألوان وأصناف القربات؛ لأن المسلم دائم الطاعة والعبادة.
ويقول -تعالى-:”واعبد ربك حتى يأتيك اليقين”، فالمسلم في عبادة مستمرة، ويظل عليها حتى توافيه المنية، وهو على ذلك، ف(حتى) هنا معناها (إلى أن)، أيْ اعبد ربك إلى أن يأتيك اليقين، واليقين هنا معناه الموت.
فهذا يدل على أن المسلم موصول بربه طوال العام، وأنه ذو عبادة متواصلة، ودأب على الطاعة لا يسكن، وجوارحه تتسم بدوام الوصال بالله،وحب السجود بين يديه: ليلًا، ونهارًا، مساءً، وصباحًا، وغدًّوا ورواحًا.
✱✱ كما أن أعيادنا تتسم بالرباط الأسري، حيث يتظرف الوالد والوالدة مع أولادهما في هذه الأيام: ضحكا، وأكلا، وسقيا، وخروجا، وتنزها، وتيسيرا في شراء بعض ما رغبوا فيه، وإعطائهم مساحة من التحرك، والشراء، والمرح، والخروج مع أصحابهم، والتبسط معهم في القول، ورقيق المعاملة، بحيث يشيع جو من الفرحة والألفة الحانية يشعر به الأولاد، ويستمتعون مع آبائهم، وأمهاتهم، وأقاربهم، ويعلمون أن العيد سبب وراء هذا البشر، وذلك الترحاب، والسبب وراء فرحة هؤلاء الشباب.