مع الزيادة الكبيرة التي تشهدها الأسواق المحليَّة والعالميَّة، خصوصًا في أسعار السِّلع الاستهلاكيَّة، التي جاءت نتيجة الأزمات العالميَّة المتلاحقة، تلعب الجمعيَّات الاستهلاكيَّة دَوْرًا مُهمًّا وحيَويًّا للسيطرة على الأسواق، وتعمل على ضبط الأسعار بما تملكه من مُقوِّمات وإمكانات، تجعلها بديلًا أكثر ملاءمةً، قادرًا على تعزيز المنافسة التي ستصبُّ بالتأكيد لصالح المستهلك، الذي أضحى يئنُّ تحت وطأة ارتفاع الأسعار في مشارق الأرض ومغاربها. فالجمعيَّات التعاونيَّة تُوازن بَيْنَ الدَّوْر الاقتصادي والاجتماعي، على النقيض من المراكز التجاريَّة التي تهتمُّ بالشقِّ الاقتصادي، وتسعى دائمًا إلى تعزيز مكاسبها التجاريَّة، ولو على حساب المستهلك وحاجته من تلك السِّلع الضروريَّة، لذا فإنَّ الأوضاع الحاليَّة تفرض على الدولة تطوير دَوْر تلك الجمعيَّات المستمر في حماية المستهلك، ومساهمتها في حلِّ قضايا التنمية وتحقيق الأهداف العُليا للدولة، خصوصًا السَّاعية لرفع الأعباء عن كاهل الأُسر محدودة الدخل، وذلك في إطار المتغيِّرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الحاليَّة والمستقبليَّة.
ولعلَّ أهميَّة الجمعيَّات الاستهلاكيَّة لا تنحصر في دَوْرها الاجتماعي الخاصِّ بمكافحة الغلاء، والسَّاعي لضبط الأسعار فقط، لكنَّها فرصة كبيرة لِتكُونَ منافذ تسويقيَّة للمنتجات الوطنيَّة، التي تفتقد القدرة على المنافسة مع مثيلاتها المستوردة في المراكز التجاريَّة، التي تستورد كافَّة المنتجات والسِّلع من الخارج وتضعها في المقدِّمة دائمًا؛ لِمَا تجنيه من أرباح كبيرة. فالمُجمَّعات الاستهلاكيَّة الوطنيَّة لها دَوْر فاعل في حماية المُنتَج الوطني، وهناك تجارب رائدة في العديد من دُوَل العالم، كانت الجمعيَّات الاستهلاكيَّة إحدى أدوات الدولة فيها لحماية المُنتَج المحلِّي من هذه المنافسة غير العادلة التي يلاقيها خارج الجمعيَّات الاستهلاكيَّة، ما سيترتَّب عليه بُعدٌ اقتصادي للدولة، يُقلل حجم الإنفاق على الاستيراد، ويوفِّر المزيد من فُرص العمل للكوادر الوطنيَّة العاملة في المؤسَّسات والمصانع المُنتِجة لتلك السِّلع الغذائيَّة، ناهيك عمَّا يحقِّقه ذلك الدعم من أمن غذائي، تسعى له الخطط الحكوميَّة.
ومن منطلق هذه الأهميَّة الكبرى للتعاونيَّات الاستهلاكيَّة، ركَّزت أُمسية غرفة تجارة وصناعة عُمان، حَوْلَ التعاونيَّات الاستهلاكيَّة التي عقدت بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، على الأهميَّة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لها، وآليَّات تنظيم وتقنين عملها في السَّلطنة، وإمكانيَّة الاستفادة من تجارب الدُّوَل المتقدِّمة، حيث شدَّد الحاضرون على أنَّ منظومة متكاملة وناجحة للتعاونيَّات الاستهلاكيَّة توجد المزيد من الخيارات لدى المستهلك، وتوفِّر ما تحتاجه من سِلع وخدمات بجودة عالية وبأسعار مناسبة ومنافسة. ولكن يبقى التحدِّي الأكبر، لتحقيق تلك المعادلة، في تكامل الأدوار بَيْنَ السَّاعين لإقامة مِثل تلك التعاونيَّات المتعدِّدة، وبَيْنَ الدَّوْر الحكومي الدَّاعم لها بشتَّى السُّبل، خصوصًا توفير الغطاء التشريعي المُنظِّم، الذي يحقق الفوائد المرجوَّة، ويحقق الاستقرار المعيشي للفرد والازدهار للمُجتمع.
إنَّ التعاونيَّات الاستهلاكيَّة تحتلُّ حيِّزًا مُهمًّا في الاقتصادات العالميَّة، حيث تشير التقديرات إلى أنَّ حجم اقتصاد التعاونيَّات بمختلف أنواعها حَوْلَ العالم يبلغ نحو 5ر2 تريليون دولار أميركي، وهناك نَحْوُ مليار عضو تعاوني حَوْلَ العالم، الأمر الذي يؤدي إلى تطوير قطاع اقتصادي تعاوني راسخ ومستدام يُسهم في رفع حجْم الناتج المحلِّي الإجمالي، وتبقى الإرادة المشتركة بَيْنَ الحكومة والسَّاعين لإقامة تلك التعاونيَّات الهادفة إلى إيجاد اقتصاد تعاوني مُنظّم ومتكامل في رُبوع السَّلطنة كافَّة عنوانًا تفرضه المرحلة، وضرورة يفرضها الوضع الاقتصادي العالمي، لذلك يَجِبُ الإسراع في طرح الرؤى المتبادلة بَيْنَ جميع أطراف المعادلة، ووضع غطاء قانوني وتشريعي يُيسِّر عمليَّة الإنشاء، ويضع ضوابط تعمل على تحقيق الغايات الكبرى من وراء تلك التعاونيَّات الاستهلاكيَّة للوطن والمواطن في محافظات وولايات السَّلطنة كافَّة.