د. جمال عبد العزيز أحمد:
✱✱ ومن خصائص الأعياد أنها ترتبط بعبادات، تكون معها بمثابة المكافآت على إتمامها، فعيد الفطر يأتي عقب عبادة الصوم التي حصل فيها العبد فضيلة التقوى، وقطف ثمار حسن الإخلاص، وحسن الرقابة، والضمير الحي اليقظ، وجمال الوحدة، وجلال الأخوة، وشرف الطاعة، وعدم الرياء، وجمال التكافل، ومعنى التراحم، ونعمة التحمل، والصبر والتجمل، ومؤازرة اليتيم والمسكين، وذاق معنى الحرمان الذي يعاني منه هؤلاء طوال العام، كما عرف جمال التوحد في الطاعة: صوما وإفطارا، والاجتماع على كل شيء حتى دعاء الإفطار:»اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وبك آمنت، ولك أسلمت، فاغفر لي ما قدمتُ، وما أخرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله».
فعيد الفطر يأتي تتويجًا لعبادة المسلم، وصيامه طيلة شهر كامل، يظل المسلم فيه عابدا، وخاشعا متبتلا، منيبا لربه، منتظرا ثوابه، فيأتي العيد فاتحًا كل خير، ومنزلا كل رحمة، ومرسيا كل توفيق، وناشرا كل سعادة.
والعيد الثاني هو عيد الأضحى الذي يأتي بعد عبادة الحج؛ ليرفع الثقل عن المسلمين،ويزيل أثر المعصية، ويمحو الذنوب، ويستر العيوب، ويكون هدية لهم على ما أراقوه من عرق، وتعب، وسهر، وسفر للحج، وتنقل بين الشعائر، وهو متباعدة فيما بينها، وهم يحملون أمتعتهم الثقيلة على ظهورهم، في لهيب الشمس، وحر المكان،فيأتي العيد ليمسح عنهم تعب وعناء كل ذلك، ويبيِّض الصحائف، ويغسل الأدران، ويطهِّر البنيان: (من حج فلم يرفث ولم يفسق ولم يجهل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
✱✱ وللعيد-كما هو معلوم-له آدابه من حيث التطهر في المنزل، والتعطر، ولبس بيض الثياب، والخروج إلى المصلى مبكرا، والتكبير: ذهابا، وارتفاع الصوت به، والذهاب من طريق، والعودة من طريق آخر؛ تحقيقا السنة، ولكي يسلِّم على المسلم، ويراه عددٌ كبير من الملائكة في ذهابه، ويسلم عليه آخرون يرونه في طريق عودته، وإيابه، يسلمون عليه، ويدعون له، ودعاؤهم -بلا شك- مستجاب،وينال العبد من دعائهم له ما يشاء، والله يتقبل منا جميعا تلك الأدعية، وهذا السلام الذي يشعر بالعزة: أن تسلم عليك الملائكة.
وإن جمال، وطهارة الثوب يشي بجمال القلب، وصفائه وإن بياضه ليحكي بياض أفئدة العابدين، ففي بياضه، وجماله دليلٌ، وشارةٌ على جمال التشريع، ونقاء حكمته، وجليل شرعته، وصفاء أحكامه،ويسر الالتزام بها، وتنفيذها بكل حب وتسليم،وشكر لله، وتعظيم، وامتنان من القلب، وشعور بالرضا والتكريم.
✱✱ نعم، إنها حقا تربويات راقية، وآداب سامية، وهي إلى كل كمال رامية، وتبتغي أن تكون النفس معها عالية، وإلى كل سبل البر، والفضل، والخير هادية، ساعية.
✱✱ إنهم قد تعلموا من مدرسة رمضان ما أهَّلهم لتلك المكافأة الربانية؛ حيث تعلموا منه معنى الوحدة الإسلامية، والالتزام العام، والاجتماع على الخير، وألوان البر، ومعنى صدق الرقابة بين العبد وربه، وعفة اللسان، وطهارة الجنان، ونظافة السعي للأيادي والأقدام، وحسن التوجه،وجلال الجهاد، وشرف التحمل، ونعمة الصبر،وجميل التعاون، ومعنى الأخوة والتراحم،وبذل المال في سبيل الله، وصدق التكافل، والتعايش، ومعنى التصدق، وكل خلق نبيل جاء رمضان؛ ليؤكده في النفس، ويغرسه في الفؤاد، ويُجريه على الجوارح في صورة تطبيقية،عملية، كريمة، وفي عمل واقعي ملموس، والأحاديث الواردة يمكن تذكرها هنا، والتعايش معها، كل ذلك جاء من مدرسة رمضان؛ لنكون أهلا للتسامي الإنساني الذي يجعلنا نتمتع بطهر الملائكة، ونقاء الملأ الأعلى؛ لنستحق مكافأة العيد من الله - جل جلاله-.
فاللهم، تقبل منا رمضان، وتسلَّمْه منا راضيًا عنا، وأكرمنا بأن تُبقيَنا إلى رمضان آخر، ونحن في أتم صحة، وأكمل عافية ، وأكرمْنا بتحقيق الآمال، وقبول الأعمال،يا كبير، يا متعالي يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وتقبل الله منا ومنكم، هُنِّئْتُم جميعا بالعيد السعيد، وعساكم دوما من عواده، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.
كل عام وأنتم جميعا بخير.