علي بن سالم الرواحي:
آداب الدعوة إلى الله (2)
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل ـ 125).
معاني الكلمات: (سبيل ربك): دينه، فما وقع على السبيل فهو دين وإلا كان معصية، (بالحكمة):هو وضع الأشياء في مواضعها، وهي تلك الأوضاع الموافقة للحق، وتناط دائماً بالخير لأنها الحق الذي يأتي منه الخير الكثير، قال الله تعالى:(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) (البقرة ـ 269)، وقيل هي القرآن لأنه حكيم، (والموعظة الحسنة) وهي القول الذي يتاثر به المخاطَب، ويدفعه إلى فعل الخير، وتدور ما بين الترغيب والترهيب، وهي مواعظ القرآن من قصص وأمثال ووعد ووعيد.
التفسير الإجمالي: سورة النحل هي مكية النزول، جاءت لترسخ العقيدة الإسلامية وبيان سبل تبليغها إلى غير المسلمين، وفي الآية يدعو الله سبحانه وتعالى النبي وأمته من بعده، بأن يدعو الناس إلى الدين الحنيف: أولًا (بالحكمة) وهي القرآن الذي يبطل الشبهات ويقرر اليقينيات، وتقتضي الحكمة في الدعوة أن يُدعى كل مخاطَب بحسب حاله وما أولى له، وثانيًا (بالموعظة الحسنة) وهي مواعظ القرآن وتشمل القصص والمواعظ والوعد والوعيد والأوامر والنواهي المحفوفة بالترهيب والترغيب، وعطفها على الأولى من باب عطف الخاص على العام لبيان أهمية الخاص، وثالثًا (بالمجادلة الحسنة) التي لا يشوبها السب والشتم والسوء، كما قال الله تعالى: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ويجب أن يمزجها الداعي بطيب اللين لأنه أدعى إلى قبول قوله، وعليه توخي وقت الإجابة، وما يناسب المدعو كأن يسلّم بصحة حججه، وأن لا يبتغي من المحاججة المغالبة بل تثيبت أمر الدعوة في عقله، ويقال: أن مواقف الناس تجاه الدعوة ثلاثة: فاهمون، يخاطَبون بالحكمة، وقاصرون عن الفهم، يخاطَبون بالموعظة الحسنة، ومكابرون عن الحق، يخاطَبون بالتي هي أحسن.
وفي قوله: (ادع إلى سبيل ربك) إشارة إلى أنه لا ينبغي أن تكون الدعوة إلا إلى دين الله، ومن أدب الداعي ليس عليه إلا إيصال الدعوة أما الاستجابة لدعوته فهي من شأن الله سبحانه وحده، فمَن أراد أن يهتدي هداه الله، ومَن أراد أن يضل أضله الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وعبّر عن الضال بالجملة الفعلية لأن به حدوث وتغيير عن الفطرة، بينما جاء التعبير عن الهداية بالجملة الاسمية لأنها ثابتة على الفطرة الربانية التي صبغ بها الإنسان، ولا يقتصر في الدعوة على القول، بل أن الدعوة بالفعل هي أدعى للقبول لدى المشاهدين، لذلك كان لا رياء في الواجبات.