جودة مرسي
يبدو أن الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة باتت على وشك الظهور، بعد أن سبقتها تلك المقدمات التي لمست العديد من دول العالم، من غلاء في الأسعار، وانهيار عملات، واقتصادات تترنح، وظروف معيشية تتأزم، حتى أنه في بعض البلدان تشاهد أن من يمد اليد طلبا للإحسان أكثر ممن يمد يده لمساعدة المحتاج، وذلك يأتي نتيجة سوء التخطيط الاقتصادي ووضع الأموال في مشاريع ليست ذات جدوى اقتصادية، مع انتشار وباء الفساد، هذا خلافا عن الأزمات العالمية مثل (كوفيد19) كورونا وإغلاقاتها الاقتصادية المدمرة، وإغلاق الصين لأهم عواصم العالم الصناعية والاقتصادية مدينة شنغهاي بحجة انتشار جديد لفيروس كورونا، والحرب الدائرة في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا والتي تسحب معها العديد من الدول إلى الهوية الاقتصادية نتيجة التأثيرات المباشرة لهذه الحرب. وهذا بشكل عام صورة رائجة للعديد من البلدان التي تعطي نتائجها توقعات أزمة اقتصادية عالمية كبرى ينتظرها العالم.
وبطبيعة الحال في ظل هذه الأزمات المتلاحقة، ونحن جزء من هذا العالم، نتساءل: ما موقعنا من الإعراب في ظل هذه الأزمات؟ وبقراءة واقعية مختومة بالإشادة الدولية نجد أن لدينا نورا يخرج من وسط هذا الظلام، بعد ما حققته السلطنة من خطوات تم اتخاذها من قبل الحكومة الرشيدة والتوجيهات السديدة للقيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وساعدت هذه السياسات في تقليل آثار تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المُتوالية، وحمايتها للاقتصاد الوطني من تلك الآثار السلبية، بتنفيذ العديد من الخطط لتحقيق التوازن المالي والتي شملت تنويع مصادر الدخل وخفض الدَّين العام ورفع كفاءة الإنفاق، وهذا ما جعل السلطنة ضمن هامش الاطمئنان في معدل مستوى المعيشة المتوازن نتيجة العديد من العوامل التي أشارت إلى المسار الاقتصادي الصحيح الذي تسير عليه السلطنة منذ بزوغ فجر النهضة إلى تواصلها مع النهضة المتجددة القائمة على التدرج في التنمية المستدامة والابتعاد عن السياسات التنموية الإرضائية الآنية.
إن التوازن المالي الذي حققته السلطنة على مدار تاريخها والطريقة الواقعية للمواطنين في التعايش الجيد مع إمكانية الدخل بعيدًا عن إيجاد ارتفاعات مكلفة للمعيشة دون مبرر، باتخاذ نمط استهلاكي معتدل يعتمد ضمن منهج وسطي يقوم على تقديم الأولويات وتقنين الحاجات الكمالية, ولذلك لم يتعرض السوق إلى هزات اقتصادية أو ندرة في المواد الاستهلاكية، مما جعل اقتصاد السلطنة يرتكز في أغلبية مفرداته على المكوِّنات الذاتية مع علاقاته الإقليمية والدولية الجيدة, وهذا قد يكون حائط صد يقوي المناعة ضد التقلبات التي يتوقع لها أن تواصل شد الاقتصاد العالمي إلى مراحل ركود وتراجع وانكماش.
ولعل من المفيد أن نشير أيضًا إلى أن السلطنة وضعت هامشًا من احتمالات التقلبات وتحسبت لها, حتى وإن تعرضت بنسب قليلة جدا لرذاذ تلك التقلبات، مما أسهم في بقاء اقتصاد السلطنة عند الحد الآمن، ويظل الريال محتفظا بقيمته السوقية المحلية والعالمية أمام العملات الأخرى. وهذا يدفعنا للمحافظة على الخط البياني المتوازن لمشاريع التنمية في الخطط الاقتصادية، حيث توقع تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الذي أصدره صندوق النَّقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسلطنة بمعدل 5.6 بالمائة في عام 2022؛ لتكُونَ حالة استثنائية على مستوى العالم. إن هذه الإشادة التي تم منحها للسلطنة مع توقع تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى 3.6 بالمائة خلال 2022 و2023؛ يؤشر بما لا يدع مجالا للشك أننا نسير في الطريق الصحيح، وهذا يدعو إلى التقدير, والإشادة، بل والتثمين؛ لأن العالم قد يتعرض وكما تقول رئيسة صندوق النقد الدولي كرستين لاجارد: إن قائمة مخاطر جديدة تلوح في الأفق يواجهها الاقتصاد العالمي وستتضرر اقتصادات كثيرة جراء ذلك. نشكر الله أن لدينا قيادة حكيمة تحب الوطن وتسعى إلى النهوض به ولدينا شعب واعٍ يحب قيادته ووطنه، ولا ينجرف وراء استهلاك يؤثر بالسلب على اقتصاد يلقى الإشادات الدولية.