د. رجب بن علي العويسي:
تطرح ممارسات مشاهير سوق الدعاية والإعلان، وارتفاع الأسعار وسقف المبالغ المالية والامتيازات الشخصية التي يحصل عليها مشاهير الترويج الإعلاني والتسويق الرقمي، وحالة المنافسة غير الأخلاقية التي بدأت تتجه إليها ممارسات بعض المروِّجين للإعلانات من خلال استغلال الوضع الاقتصادي العام وحاجة الناس من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى الترويج لمنتجاتهم، مما أسهم في رفع قيمة الدعاية وإرغام روَّاد الأعمال وغيرهم من أصحاب المشاريع اليدوية والأسر المنتجة على قبول الأمر الواقع، في الدعاية لإعلاناتهم وشركاتهم أو لبرامجهم ومنتجاتهم، أدى ذلك في ظل فراغ الضوابط إلى كثرة أعداد الداخلين في هذا المجال، وزيادة حدة المنافسة الشخصية بينهم، في المقابل تدني الجودة في المحتوى الإعلاني للحصول على إعلانات أخرى، في ظل ممارسات تحكمها الأمزجة، وتحدد اختياراتها الرغبات، وتتداخل فيها الأهواء والنزعات؛ تطرح الحاجة إلى تقنين هذا العمل وإعادة رسم ملامحه وفق أطر وضوابط واضحة تحفظ حقوق المجتمع، وتضمن الثقة وكفاءة المنافسة الشريفة، وتعزز من وجود المحترفين، وتضبط آليات العمل، وتوجه بوصلة الأداء، وتُوجِد مساحة أوسع من الفرص لدى مروِّجي الدعاية والإعلانات بأن وجود أطر مقننة وموجهات حاكمة سوف يقلل من حجم الالتزاحم الحاصل على سوق الدعاية والإعلان، خصوصا في ظل ما بات يتجه إليه بعض المروِّجين من شراء للذمم وخروج عن المألوف.
وبالتالي أن تتخذ عملية التأطير والتقنين مسارين واضحين يقوم الأول على رصانة المحتوى الإعلاني في مواجهة حالة التباينات والتقاطعات غير الأخلاقية التي باتت تمارسها من قبل الداخلين في هذا المجال، وما رافق ممارسات بعض مروِّجي الإعلانات التجارية من ممارسات مبتذلة، وخروج عن المألوف، وانتصار للأنا والذاتية وحب الشهرة، والاحتكام للعائد المادي، والتسلق على أكتاف الآخرين، ونشوة الظهور الإعلامي، في سلوكيات تتنافى مع منطق العقل، وحس الضمير، والثقة والمسؤولية، ناهيك عن اتساع فوضى الإعلانات التجارية والداعية الإعلانية عبر المنصَّات التواصلية، وفراغ الضوابط التي تحكمها وتحافظ على درجة توازنها وثباتها من غير إفراط ولا تفريط، وتدني مستوى الالتزام من قبل المروِّجين والمنتج المروَّج له، فإن وضوح المحتوى الإعلاني والتزامه معايير الجودة والكفاءة والإتقان، ومعايير القِيَم والأخلاقيات والمبادئ ومراعاة الذوق العام والسلوك الحسن ورُقي الممارسة بالشكل الذي يضمن مزيدا من الثقة في الإعلانات التجارية والدعاية الرقمية.
أما الأمر الآخر فيعتمد على ضبط المبلغ المالي المحدد للإعلان والدعاية وعدم تركه لرغبة المروِّج ذاته، في ظل ما نتج عن هذا الأمر من رفع قيمة مبلغ الإعلان نفسه وما يبرز في سلوك المروِّجين وقبولهم للترويج من طمع وجشع واستغلال وشراء للذمم ووضع أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أمام واقع جديد عليهم القبول به، لذلك كان من بين أهم التحديات التي تواجه أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو سوق الدعاية والإعلان نفسه بما فيه من عشوائية وشخصنة وتحكم من بعض المتنفذين أو المشاهير، والذي نتج عنه عدم قدرة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسط على الترويج والتسويق لمنتجاتهم أو مشاريعهم؛ لعدم القدرة على تحمل مئات الريالات لمجرَّد ترويج إعلاني ودعاية تجارية لا تتجاوز الدقيقة الواحدة فقط، في حين أن العائد المتحقق من ذلك على المنتج أو المشروع غير مضمون، هذا الأمر أوجد بدوره حالة من الاستهتار من قبل بعض المروِّجين، وقبول الترويج لبعض أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دون غيرهم وأصبحت المسألة أقرب إلى المنافسة القذرة التي لا تراعي ذمة ولا ضمير مسؤول، إذ إن من يدفع أكثر يحصل على أولوية في الترويج، مما أوجد حالة من الاحتكار والتحكم وفرض سلطة الأمر الواقع، وأوجد واقعا جديدا يقوم على العداوات بين المروِّجين أنفسهم، ناهيك عن الأنانيات، والتحكم في أرزاق الناس واستغلال حوائجهم، ناهيك عن اتجاه الكثير من هؤلاء المروِّجين إلى الشركات العابرة للقارات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى بما تدفعه للإعلانات لمنتجاتها من مبالغ طائلة، الأمر الذي أصبح يمثل حجر عثرة أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وروَّاد الأعمال العُمانيين في التعاطي مع هذا التحدي في الإعلانات وعدم القدرة على الوفاء بمتطلباتها.
وعليه، تمثل مسألة فرض الضوابط والتقنين لسوق مشاهير الدعاية والإعلانات معادلة القوة بين ضبط القيمة المالية والتسويقية للمنتج الإعلاني، وتقييمه من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والقانونية والتأثير الاجتماعي الذي يحدثه في كيانات المجتمع وشخصيته وكيونيته، بالإضافة إلى انعكاسات هذه الممارسات في ظل تراجع الثقة في المروِّجين، وضعف ارتباط المروِّج بالمبادئ والقِيَم المعبِّرة عن روح التضامن مع أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرهم من أصحاب المشاريع الناشئة من الشباب، على أن ما يظهر من غياب واضح في فهم أرصدته الإحصائية ومؤشرات عمله، وتقديراته الاستثمارية المترتبة عليها، وارتباطه بممارسات غير مسؤولة نتج عنها اختلاس لأموال، وسرقة أموال آخرين، أو عدم أداء المهمة الترويجية بالشكل المطوب، وتدني الثقة في هؤلاء المروِّجين سيكون له تداعياته السلبية على سوق الدعاية والإعلان، فرصة بأن يمر سوق الإعلانات أمام فلترة حقيقية من جهات الاختصاص تحدد مساره وتضبط الأدوات وتقلل حجم التفاوت في أسعاره وتفرض الغرامات والعقوبات والجزاءات على أولئك الذين يستغلون حاجات المجتمع، ويصنعون من عملهم هذا فرصة للاستغلال والجشع والاحتكار، فإن تحقيق هذا التوجُّه من شأنه أن يسهم في الآتي:
 إيجاد قاعدة بيانات وطنية محدثة بالداخلين في مجال الدعاية الرقمية والإعلانات التجارية، بحيث تمتلك الجهات المعنية بهذا المجال تفاصيل دقيقة حول هؤلاء المروِّجين والمؤهلات والخبرات والسير الذاتية لهم ونوعية الدعاية التي يقدمونها ومجالات عملها. هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى تصنيف هذه الإعلانات التجارية بحسب نوعية الإعلان وحجم التأثير، والفئة المستهدفة منه والنطاق الجغرافي له، والمؤشرات التي يقدمها.
 إيجاد معايير شرف مهنية وميثاق أخلاقي وطني للممارسين للدعاية والإعلان للداخلين في هذا المجال، يحدد أهدافها ويضبط مسارات عملها، ويوجه بوصلتها وفق معايير الدقة والاحترافية والمهنية، والشفافية والوضوح، تتجافى مع كل دعوات الحرية غير المضبوطة، عبر إطار مقنن يحمل أدوات التجديد، ويبني فرص التطوير، ويمنح الذات مساحات المراجعة وإعادة التصحيح، ويضعها أمام مساءلة قانونية وأخلاقية ومجتمعية، ليشكل هذا الميثاق عقد اتفاق، يمنح الممارسين من مشاهير الدعاية والإعلانات فرص أكبر لاستيعاب مضامين هذه الرسالة ونشرها، بما يحفظ هُويتها، ويضمن خصوصيتها ويقيها مكامن الريب ويبعدها عن مساوئ الشطط، وتحفظ للإنسان حقه.
 مع كثرة الداخلين في هذا المجال من غير المتخصصين أو المحترفين أو الذين لا يجمعهم بهذا العمل إلا في كونه هواية لبعضهم، أو تقليدا للبعض الآخر، وفرصة للكسب السريع للمال، فإن وجود مسار لضبط الممارسة الترويجية محطة مهمة لتعزيز المشتركات بين القائمين على هذه الإعلانات لمزيد من تبادل الآراء، الأمر الذي قد يؤدي في المستقبل إلى إشهار الجمعية المهنية في مجال الدعاية الرقمية والإعلانات التجارية.
 تبنِّي إجراءات ثابتة تحدُّ من ارتفاع أسعار المسوِّقين للمنتجات من مشاهير وغيرهم، كما تقنن أعلى سقف مالي للإعلان مراعيا في ذلك جملة من الاعتبارات والاشتراطات التي تضمن مستويات مقبولة من العدالة، ودراسة الجدوى التي يمكن أن يقدمها هذا الإعلان لنشاط المؤسسة من قيمة مضافة، سواء على مستوى بنية الإعلان ونوعه والمدى الزمني والمكاني الذي يحققه، ومستوى قياس ما تحقق مقارنة بالفترة الزمنية ذاتها على مدى عام مالي، ثم قياس الأثر الناتج عن الدعاية والإعلان على نشاط المؤسسة التجاري والترويج لمنتجاتها.
 إيجاد منصَّة إلكترونية متكاملة تشرف عليها الجهات ذات العلاقة تمثل بوابة وطنية في تنظيم سوق الدعاية والإعلان، لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة أو أصحاب المشاريع الفردية وغيرهم في الترويج لمشروعاتهم، وتوجيههم إلى المروِّجين ذوي الاختصاص، وفق نماذج محدَّدة وآليات دقيقة واستمارات معدَّة لهذا الغرض ووجود دليل استرشادي بهذه الإعلانات والدعايات والتكاليف المالية لها، الأمر الذي يضمن تبادلا أكثر للمعلومات وتوظيفا أفضل للأفكار، والاستفادة من وجهات نظرهم وأطروحاتهم ومبادراتهم بالشكل الذي يتيح لهذه الشركات دراستها وفحصها وتبنِّي آليات عمل عبر عمليات التنسيق مع الجهات الحكومية والخاصة.
 إن وجود هذه المنصَّة سوف يسهم في زيادة التفاعل مع ما تطرحه الشركات من فرص للدعاية التي يتنافس فيها المحترفون بحسب امتلاك كل منهم للمهارة في المجال، ويتيح في الوقت نفسه تدريب أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة والشركات الطلابية والأسر المنتجة وغيرهم على كيفية الاستفادة القصوى من المنافذ الإعلانية عبر منصَّات التواصل الاجتماعي (تويتر وفيس بوك وإنستجرام) كونها تقدم بدائل وحلولا عملية وأقل كلفة، وتطرح منتجها بطريقة آمنة ومضمونة.
أخيرا، وفي ضوء ما أشرنا إليه نؤكد على أن هذه التباينات والمنافسة غير المسؤولة وحالة السباق المحموم في الحصول على الإعلانات التجارية ذات المبالغ العالية، تعيد إلى الواجهة ضرورة إعادة هيكلة سوق مشاهير الدعاية والإعلان، عبر البحث في صيغة وطنية في إدارة هذا الملف وضبط مدخلاته وعملياته ومخرجاته بالتشريعات والأنظمة التي تسهِّل ممارسته، وتوفير بدائل داعمة لنمو هذا المجال وصناعة المحترفين، وبناء أطر تنظيمية وتشريعية وأخلاقية تصنع لسوق الدعاية والإعلان القوة، وتبني لها حضورا في واقع عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع الشباب، لضمان أن عمليات الترويج تتم وفق إطار قانوني يستوعب كل المتغيرات المتوقعة، ويضمن الاحتكام إلى أطر واضحة عند حصول أي خلل في هذا الجانب، خصوصا في ظل التعاملات الإلكترونية وما تستدعيه من مزيد من الحذر من أساليب وطرق الاحتيال عبر المنصَّات التواصلية، وكفاءة الموجهات الأمنية والضبطية النافذة.