علي بدوان:
من الطبيعي أن يهرول منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة ونوابه مهددًا بالخروج إلى مساراتٍ بعيدةٍ عن سرب حكومة نفتالي بينيت، التي أعطاها فرصة نيل الثقة من قِبل الكنيست عند تشكيلها تحت ذرائع مختلفة، مخالفًا مواقف القائمة العربية المشتركة والتي انشق عنها في الانتخابات التي تم إعادتها للمرة الرابعة، والتي جرت يوم 23/3/2021، وأدَّت لهبوط في التمثيل الفلسطيني في عضوية الكنيست من (15) عضوًا إلى (6 مشتركة+4 قائمة موحدة). أي بخسارة خمسة أعضاء، وتراجع تصويت المواطنين العرب في الانتخابات التشريعية للكنيست بدورتها الرابعة المُعادة.
وفي حينها، وبعد إعلان النتائج، وعند مشاورات تشكيل الحكومة، أنذرت قيادات وأعضاء في الحركة الإسلامية (الجنوبية/القائمة الموحدة) قيادة القائمة العربية الموحدة بمن فيهم النائب منصور عباس، من خطورة الانضمام للحكومة، وتحميل الحركة الإسلامية وزر الاحتلال والاستيطان والاقتحامات المتكررة من قبل غلاة المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة. وهددت هذه القيادات والأعضاء بأنه "إذا لم يتغير هذا النهج فسنُعلن أمام الناس بأن القائمة الموحدة الجناح السياسي للحركة الإسلامية لا تمثلنا". لكن الأمور سارت من خلال المفاوضات في مسارٍ آخر، فأعطت قائمة القيادة الموحدة بنوابها الأربعة صوتها بالثقة لحكومة نفتالي بينيت عند تشكيلها دون المشاركة بأي توزير.
الآن، وعلى ضوء الاعتمالات والتفاعلات، ومع ما يجري في فلسطين، وبالأخص في مدينة القدس ومحيطها، ونهوض الشعب الفلسطيني في موقفٍ عارم وموحَّد، في فعاليات مؤثرة وحاشدة، في الداخل، في حيفا، واللد، وعكا، وأُم الفحم والناصرة... وصولًا للقطاع وكل أنحاء الضفة الغربية، قررت القائمة "العربية الموحدة"، "تعليق" عضويتها في الائتلاف الحكومي "الإسرائيلي" والكنيست بدءًا من يوم 17/4/2022، في محاولة لامتصاص واستيعاب الغضب الذي تراكم داخليًّا في صفوف أعضاء ومناصري وجمهور الحركة الإسلامية الجنوبية، وفي أوساط أنصار القائمة عامة، وفي صفوف أبناء الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، كمواجهة تأتي وفق قاعدة قاسية، ولكنها معطاءة، مواجهة "العين بالمخرز".
فقد زاد من منسوب المواجهات إثر الاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة والمُتكررة في القدس المحتلة وباحات المسجد الأقصى، وتعالت الأصوات الصادرة عن شخصيات بارزة في الحركة الإسلامية الجنوبية (القائمة الموحدة)، منها قياداتٍ سابقة، ومن أصوات رئيس دار الإفتاء والبحوث الإسلامية، محمد سلامة حسن، والرئيس السابق للحركة الإسلامية الجنوبية إبراهيم صرصور، والمرشح السادس في القائمة الموحدة للكنيست، علاء الدين جبارين... للمطالبة بالانسحاب الفوري من الائتلاف الحكومي على خلفية الأحداث الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى وعموم الأرض الفلسطينية، والسعي لفرط عقد حكومة نفتالي بينيت، التي يُمكن أن تنهار بسهولة مع انسحاب عدد من أعضاء الكنيست من ائتلافها.
إن بعض المصادر الإعلامية "الإسرائيلية"، ومنها مصادر إعلامية فلسطينية كموقع (عرب 48) قالت: "إن موقف منصور عباس وقائمته الأخير، يأتي في خطوة تم تنسيقها بينه كرئيس للقائمة، ورئيس الحكومة، نفتالي بينيت، ووزير الخارجية، يائير لبيد، وتم تسريبها إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية قبيل انطلاق الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس شورى الحركة الإسلامية الجنوبية، لبحث تداعيات الأحداث في الأقصى المبارك، وأبعاد استمرار الاقتحامات والاعتداءات على المسجد الأقصى وعلى المصلين فيه".
ووفقًا للتقارير، كما يضيف (موقع 48)، فإن قرار القائمة الموحدة بتجميد عضويتها في الائتلاف والكنيست، جاء بهدف "تنفيس وتخفيف الضغوطات الداخلية التي تتعرض لها في المجتمع العربي عمومًا ومن أوساط قيادات في الحركة الإسلامة الجنوبية خصوصا"، غير أنها، عمليًّا، لا تنوي وقف التعاون مع كتل الائتلاف "الإسرائيلي"، الأمر الذي سيكلفها الكثير من خسارة لحضورها بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الداخل. فمن المعيب والمخجل، قيام التعاون تحت أي عنوان، أو التغطية، على سياسات حكومة يمينية في قمعها للشعب الفلسطيني، واقتحام الأقصى وباحاته، والتمادي على المصلين في صلاة التراويح وغيرها.
لذلك نأمل أن لا تكون خطوة القائمة الوحدة بوقف التعامل مع الحكومة خطوة جديدة وجدية، وذات فعل ملموس، وليست خطوة تكتيكية، لذر الرماد في عيون أبناء فلسطين على عموم أرض فلسطين التاريخية. فإما أن تكون القائمة الوحدة ورئيسها منصور عباس عضوًا في الكنيست من ضمن أعضاء الكنيست الـ(120) أو الاستقالة منها والخروج من عضوية الكنيست، وبالتالي إنهاء الثقة بالحكومة ودفعها للانهيار، وبالتالي الإسهام بتوجيه الأمور نحو انتخابات مُبكّرة. وإرباك الساحة السياسية "الإسرائيلية" بدلًا من منحها الراحة النسبية في قمع وقتل الشعب الفلسطيني، بما في ذلك اتباع سياسات الاغتيالات، و"إشباع الغراز البهيمية" لدى المستوطنين، والتي لم تتوقف منذ ما قبل شهر رمضان المبارك حتى الآن.
وعليه، إن قرار منصور عباس "تجميد عضوية القائمة الموحدة بالكنيست، لن يكون له تأثير يُذكر؛ إذ إن ذلك يحدث خلال عطلة الكنيست، وستكون هذه الأزمة قد هدأت إلى حين عودة الكنيست من العطلة، وستعود العلاقات بين حكومة نفتالي بينيت وأحزاب حكومة اليمين، مع القائمة الموحدة إلى طبيعتها السابقة. فـ(نواب القائمة الموحدة) عمليًّا وفعليًّا داعمون بشكلٍ أو بآخر لحكومة نفتالي بينيت، لدرجة أن وصف البعض من قادة الجمهور العربي في الداخل خطوات منصور عبَّاس بـ"البهلوانية". واللعب المكشوف، بينما الشعب الفلسطيني يشتبك وبجسده العاري مع الاحتلال ومن النقطة صفر في القدس وعموم الأرض الفلسطينية، وفي الداخل. وهو ما أجبر سلطات الاحتلال على إطلاق سراح أعداد لا بأس بها من الشبان العرب ممن تم اعتقالهم في الأسبوعين الأخيرين.