منذ أن لاحت في الأفق إشكالية تدني أسعار النفط بدأ المجتمع يحلل ويفسر أسبابها ومسبباتها كل على هواه وتوجهه ووجهة نظره حول الموضوع ، إلا أن النسبة الأكبر من المجتمع كانت تفكر في الوضع الذي سيصل إليه المواطن الذي سيتأثر بالأزمة وكيف يمكن للمواطن الاستثنائي أن يساهم في التقليل من آثارها على المواطن المتأثر، والحديث عن تقليل الإنفاق الحكومي كان جزءاً مهماً من الموضوع لما في ذلك من تخفيض للكثير من المصروفات التي يمكن أن تذهب للمهم من ثم الأقل أهمية فتغذية قاعدة الهرم والمحافظة عليها هي الأهم في هذه المرحلة حتى تثبت القمة ، وعلى الرغم من أن الحديث عن هذا الموضوع كان مكثفاً وأصحاب القرار وكما يبدو على اتفاق مع ما يطرح في هذا السياق إلا أننا لم نلمس تحركاً حقيقياً حول هذا الموضوع من حيث ترشيد الإنفاق أو بعبارة أخرى تقليل ما يمكن تقليله في الجوانب الترفيهية أو الجوانب التي لا تعد ذات فائدة كبيرة وليس لها نتائج ذات فائدة ، فعلى سبيل المثال مازال الكثير من الفعاليات الحكومية يقام بجداولها المعتادة والتي يكون فيها الانفاق على الجانب الترفيهي أكثر من الانفاق على الجانب العملي المهم من إقامة الفعالية ، فمازالت المؤتمرات أو الفعاليات بشكل عام تقام على هامشها وجبات العشاء او الغداء في أماكن تكلف الآلاف إلى جانب الرحلات السياحية وما بها من كلفة الفنادق والمواصلات والوجبات وغيرها من الأمور التي يمكن الاستغناء عنها حالياً والاكتفاء بالصرف على الجانب العملي المهم من الفعالية ، ناهيك عن الهدايا التي تمنح للضيوف وغيرها من الأمور الأخرى ، وما أن تنتهي الفعالية حتى يأتي الجانب الآخر وهو باب كان يمكن أن يُسد ولكن أصبح فتحه عادة ومطلبا مهما لدى الموظف وإغلاقه قد يُكلف الكثير ولكن له نتائجه أيضاً. وهنا أتحدث عن المكافآت التي تمنح للموظف بعد أن يقوم بعمله، فقد اعتاد الكثير من الموظفين على المشاركة في الفعاليات مقابل أجر مادي إضافة أو زيادة على أجره الشهري للعلم بأن هناك بعض المؤسسات لديها نظام الأجرالإضافي لمن يعمل بعد ساعات الدوام الرسمي ولكن المكآفات مازالت تُدفع كجزء من العمل حتى أن المكافأة لم يعد لها معنى فالأصل في المكافأة تدفع لمن قدم عملاً مميزاً واستثنائياً ولكنها أصبحت تدفع كجزء من العمل وبشكل دائم.
وإذا أتينا إلى حسبة بسيطة وهي لو حذف الجانب الترفيهي المبالغ فيه وحذفت المكافآت وغرست ثقافة أن ما يقوم به الموظف هو جزء من عمله لتم تقليل نصف ما يصرف أو أكثر وبالتالي فإن تكاليف أي فعالية ستقل إلى أكثر من النصف، بذلك سنقلل الكثير من المصروفات إذا تحدثنا عن مئات الفعاليات التي تقيمها المؤسسات الحكومية بشكل سنوي . نعم نحن شعب عُرف بإكرام الضيف ولكن لكل قاعدة استثناء ونحن نعيش في مرحلة استثنائية ، ستمر بإذن الله، دون أن يتأثر المواطن بها وهو الأهم في هذه المنظومة ، وطبعاً هذا ينطبق على المواطن المتأثر أو المواطن الاستثنائي (المسئول ومن في حكمه) ، الاستثنائي كون الكثير من الأشياء الأساسية في الحياة وفرت له فلن يتأثر كغيره من المواطنين.
الجانب الآخر والذي يجب الانتباه له سواء في المرحلة الحالية أو حتى مستقبلاً الدورات السياحية التي يذهب لها الموظف ، أصبح الموظف يختار البلد من ثم يبحث عن دورة تناسب تخصصه فأصبح الأصل المكان وموضوع الدورة يأتي بشكل ثانوي هذه الدورات بها هدر للأموال أيضاً حيث إن المؤسسة الحكومية تصرف على الجانب السياحي وليس الجانب العملي المفيد فيعود الموظف إلى عمله دون ان يستفيد شيئا وبالتالي يكون الجانب التدريبي الذي يحتاجه الموظف مغيبا ومفقودا في هذه المرحلة أصبح من الضروري غربلة من يذهب إلى دورات خارجية والمؤسسة التي يذهب لها وابتكار آلية لتقييم الموظف بعد عودته من الدورة لمعرفة مدى الاستفادة من المؤسسة التي تلقى منها الدورة وإذا تم التدقيق في هذا الجانب ستكون الأموال التي تصرف تذهب لمكانها الصحيح وللشخص الذي راغب في الاستفادة الحقيقية تطويراً لمهارته وقدراته وبما يخدم وطنه ، إعادة النظر هنا أيضاً تشمل المواطن المتأثر والمواطن الاستثنائي والذي تصرف له علاوة يومية عند حضوره دورة أو مؤتمر تفوق راتب موظفين في الدرجة الثامنة عشرة.
قد تكون النقاط التي ذكرتها مواضيع ثانوية بالنسبة لمواضيع أكبر أهم ولكن حتى هذه المواضيع لو تم تقنين الصرف فيها سيكون لها تأثيرها الملحوظ ، وإن صرفت ستكون على المهم وغض النظر عن الأقل أهمية.