أ.د. محمد الدعمي:
هل لك أن تتخيل عالمًا بلا خبز! إنه أمر صعب حتى على التخيل. لذا لا يراودني الشك قط في أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد وضعت دول الفوائض السكانية، غير القادرة على إنتاج غذائها بنفسها على المحك. هذا مؤشر خطير إلى ما كنا ننوه إليه طوال الأعوام الماضية حول أهمية "الأمن الغذائي" على المستويين المحلي والقومي.
وإذا كانت بعض دول إقليمنا الغنية قادرة على شراء القمح (الحنطة والشعير) من مناشئ أخرى، سوى روسيا وأوكرانيا، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يدوم طويلًا ولا يمكن أن يعمي العيون حيال أهمية الأمن الغذائي العربي والعالمي. علمًا أن نقص الغذاء ينذر بكوارث خطيرة، بل ومن النوع العابر للقارات كذلك. وإذا ما كان المزارعان الأوكراني أو الروسي قد عودانا على الكسل بقدر تعلق الأمر بزراعة الغلال (على طريقة الإنتاج الواسع)، فإن الأمر قد حان اللحظة للتوجه إلى حقولنا ومزارعنا على سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي، خصوصًا وأننا سنتأكد (في وقت قريب) بأن الغذاء وتوافره، زيادة على نوعيته أهم بكثير حتى من الطاقة، برغم الاعتماد المتبادل بينهما (أي إنتاج الغذاء والطاقة).
وإذا كانت الفوائض المالية في الدول المنتجة للمعادن (والبترول منها) يمكن أن تمرر أزمة الغذاء العالمية القائمة لحين، فإن مخاطر تجاهل الأمن الغذائي قد توجه لهذه الدول "رجة وعي" من النوع العنيف: فما فائدة المال إذا لم يتمكن من توفير الطعام على مائدة الإفطار (في رمضان) وعلى مائدة العشاء في سواه من أشهر الله المباركة؟
وهذه فرصة، لا بد أن لا يلاحظها قصار النظر، لدول معينة لاستثمار مواردها الغذائية، كما استعملنا في الدول المنتجة للنفط يومًا، باعتبار البترول سلاحًا ذا حدين! أليس كذلك؟
وإذا ما كنا نخشى توظيف الماء سلاحًا استراتيجيًّا مضادة للدول الصحراوية أو المتصحرة (على نحو متواصل)، فإن شبح نقص الماء والغذاء (حزمةً واحدة) يطل برأسه المخيف عبر الدول التي تجاوزت الحدود المعقولة في الاعتماد على الاستيراد الغذائي (من الرز، إلى حليب الأطفال). وهذا، لا شك، ناقوس خطر يدق لأولي الألباب عبر عالم استمرأ الكسل واعتماد الغذاء المستورد حتى خصه هذا الغذاء بلكمة موجعة!