د. خصيب بن عبدالله القريني
تُمثِّل العلاقات بين البشر أحد أهم المواضيع التي تهتم بها الدراسات والبحوث الاجتماعية، سواء كانت تلك العلاقات تتم بصورة ثنائية أو بصورة جمعية، فالإنسان كائن اجتماعي يسعى دائما لإيجاد علاقات تعارف وصداقة بينه وبين بقية بني جنسه امتثالا لهذه الاجتماعية في طبعه، وتتنوع مجالات هذه العلاقات وتتشعب من شخص لآخر، فهنالك من تكون لديه علاقات اجتماعية كثيرة ومتنوعة المجالات. وعادة يتم تصنيف هذه الفئة بأنهم يمتلكون ذكاء اجتماعيا عاليا، وفي المقابل هنالك أشخاص لا يستطيعون إلا تكوين علاقات قليلة وفي محيطهم الضيق، وبين هذا وذاك توجد الفئة الوسطى التي تكون علاقاتها بصورة متوازنة وبما يتناسب مع توجهاتها وأفكارها، ولكن في النهاية لا يمكن أن يعيش إنسان سوي بدون وجود علاقات تربطه بمحيطه البشري؛ لأنه في نهاية الأمر كائن اجتماعي لا تقوم حياته إلا على التواصل والاجتماع.
وللعلاقات بين البشر أسس ومبادئ لا يمكن أن تقوم أو تستمر إلا بها، ولعل أبرز تلك الأسس هو وجود رغبة مشتركة بين الطرفين لتكوين تلك العلاقة، فوجود الرغبة من طرف واحد لا يسمى علاقة أو بالأحرى لا يمكن أن يكون علاقة؛ لأنه ينفي أهم شرط وهو وجود أكثر من طرف. والغريب في عملية بناء أي علاقة هو مسألة التراتبية في عملية البناء، بمعنى أن وجود الأساس الأول تتبعه بقية الأسس، فلا يمكن تقديم أساس على آخر، بمعنى لا يمكن أن نتحدث عن أهمية صفات كل شخص ومدى توافقها مع الطرف الآخر إذا لم يكن في البداية لدى الطرفين الرغبة في بناء هذه العلاقة، فالنتيجة هنا معروفة وواضحة بلا شك.
إن وجود صفات مشتركة بين طرفي العلاقة لا يُمثِّل مؤشرا إيجابيا لنجاح العلاقة، بل على العكس من ذلك، فوجود صفات مشتركة في غالب الأحيان هو مدعاة لفشلها، ذلك أن أحد أسس بناء العلاقات هو عملية التكامل والتوافق بن طرفي العلاقة، وكونهما يمتلكان نفس الصفات، فمعناه أنهما لا يتكاملان في بعض الجوانب. ولْنُعطِ مثالا بسيطا يتمثل في صفة العناد الشديد عند طرفي العلاقة، هنا لا يمكن أن تستمر تلك العلاقة لأن الطرفين يمتلكان صفة لا يتنازل عنها أي طرف لحساب الطرف الآخر فتنتهي تلك العلاقة، لكن لو كانت هذه الصفة لدى طرف وبصورة أقل لدى الآخر فيمكن أن يحدث نوع من التوافق فيما بينهما، بعيدا عن التفسيرات الأخرى التي قد تطرح حول مآلات استمرار هذا الأمر على العلاقة على الأقل من زاوية زمنية، وقس الأمر على بقية الصفات والجوانب، لكن قد تنجح العلاقة بوجود اهتمامات مشتركة وليس صفات مشتركة، فقد أثبتت التجارب والخبرات أن الاهتمامات عندما تكون متشابهة ومشتركة تبني علاقات جيدة ومتميزة ومستمرة، ومن هنا كان للاهتمامات أهمية كبيرة في هذا المجال.
إن ما تم عرضه من أفكار حول هذا الموضوع هو في الواقع نتاج مناقشات وحوارات وخبرات وتجارب تمت ممارستها والاطلاع عليها، سواء من خلال القراءة أو الحوار أو المعايشة، وقد تختلف النظرة من شخص لآخر لهذا الموضوع، وهي في النهاية ظاهرة صحية. ففي مجال العلاقات الاجتماعية لا توجد مسلمات يمكننا الاتكاء عليها، ولكن تظل هنالك محددات يمكننا البناء عليها وإن بصورة نسبية تميل للتعميم الجزئي إذا جاز لنا التعبير. فالإنسان كائن معقد في المجال الاجتماعي يعتمد أداؤه من خلاله على عوامل مختلفة تختلف باختلاف الزمان والمكان والمزاج والعمر وغيرها من العوامل، ويبقى مجرد تحليل هذا الموضوع ينصب في خانة الاستفادة وعدم تكرار الأخطاء في بناء تلك العلاقات، فالكيِّس من يجيد التعلم من أخطاء الآخرين وأخطائه؛ لكي لا يقع في نفس الأخطاء في المرات القادمة.