لا تكفُّ دولة الاحتلال الإسرائيلي ولا الأذرع الموالية لها في الدول الكبرى عن إلصاق تهمة معاداة السامية لكُلِّ مَنْ يقف ضد العدوان والقمع الذي تمارسه تلك الدولة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وبات واضحًا لكُلِّ ذي عَيْنٍ ما تبذله هذه الدولة العنصرية من محاولات تسعى إلى الخلط العمد بَيْنَ عبارة معاداة السامية التي وجدت في الغرب تعويضًا عن ما نال اليهود من عنصرية وتعذيب في أوروبا وقتها، وبَيْنَ انتقاد الحركة الصهيونية العنصرية أو تلك الدولة القائمة بالاحتلال والرافضة لقرارات الشرعية الدولية كافَّة، لدرجة وصلت أنْ لا أحد في القنوات الإخبارية الكبرى يقدر على وصف الأراضي الفلسطينية بالأراضي المحتلة، ولا يستطيع إقرار الواقع القائم على حقائق مرتبطة بقرارات الشرعية الدولية، والإعلان عن أنَّ تلك الدولة هي دولة احتلال، ناهيك عن رصد أو الحديث عن صنوف القمع والإرهاب التي تمارسها ضد أبناء فلسطين المحتلة.
وآخر تلك الحملات الابتزازية هو تلك الحملة التي أطلقها اللوبي المؤيد لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة "إيباك" ضد حملة تعيين الإعلامية كارين جان بيير كسكرتيرة صحفية للبيت الأبيض، التي يتوقع أنْ تباشر وظيفتها يوم الثالث عشر من مايو الجاري، والتي تشغل حاليًّا منصب النائب الأول للسكرتير الصحفي، وستكون أوَّل موظف من أصول أفروأميركية تتولَّى هذا المنصب الرفيع. وبالرغم من أنَّ الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن تعيينها ببيان قال فيه: "إنَّ كارين تجلب الخبرة والموهبة والنزاهة اللازمة لهذه المهمة الصعبة، وستواصل قيادة الطريق في التواصل حول عمل إدارتي". إلَّا أنَّ اللوبي المؤيِّد للاحتلال الإسرائيلي رفض هذا التعيين وأعلن صراحة عن رفضه له، مستخدمًا شعارات رنانة تتَّسم بالابتزاز، حيث قال اللوبي الموالي للحركة الصهيونية العالمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، إنه يشعر بالذهول والخوف من أنَّ بايدن اختار المرأة جان بيير، التي أظهرت عداءً للسامية تجاه "إسرائيل"، وهي على استعداد للكذب وتشويه سمعة "إسرائيل" واليهود للترويج لأجندتها المعادية لـ"إسرائيل". ونرى أنَّ هناك محاولة مستمرَّة من هذا اللوبي القائم على العنصرية بالربط بَيْنَ انتقاد "إسرائيل" ككيان رافض للقرارات الأممية كافَّة، وصاحب أسوأ سجل حقوقي في المنظَّمات الدولية كُلِّها، وبَيْنَ اليهودية كَدِيانة سماوية، لدرجة أنَّ التصريحات ربطت بَيْنَ انتقاد "إسرائيل" وتأييد الإرهاب.
وحين ننظر إلى أسباب تلك الحملة الشرسة، نستغرب؛ لأن المتحدثة الجديدة لم ترتكب جرمًا عندما عملت سابقًا متحدثة ومستشارة أولى مع المجموعة السياسية اليسارية "موف. اورج"، وهي مجموعة دعمت مقاطعة مؤتمرات اللوبي الإسرائيلي التي تعقد سنويًّا في الولايات المتحدة، وترفض القوانين المناهضة لحراك مقاطعة "إسرائيل"، لكنَّ الأمور تتضح عندما نرصد في تصريحاتها موقفًا مناهضًا للابتزاز الذي تمارسه تلك المؤسسات الصهيونية في بلدها، حيث سبق ونشرت كارين مقالًا باسمها نُشر عام 2019 في مجلة "نيوزويك"، قالت فيه: إنَّ المرشحين للكونجرس لا يمكنهم تسمية أنفسهم تقدميين إذا تلقوا دعمًا أو دعموا "إيباك"، ووصفت كارين خطاب اللوبي المؤيِّد لـ"إسرائيل" بأنَّه "خطاب عنصري متشدد ومعادٍ للإسلام وينذر بالخطر.
وأضافت أنَّ "إيباك" اشتهرت بالاتجار في الخطاب المعادي للمسلمين والعرب، في الوقت الذي ترفع فيه الأصوات والمواقف المعادية للإسلام، وهي تصريحات توضح حالة تلك المنظمة. فالمتحدثة الجديدة تفهم ألاعيب تلك المنظمات وأهدافها بعناية، ونعتقد أنَّ حالة كارين جان بيير لَمْ تَعُدْ حالة استثنائية، لكنَّها حالة راسخة على الأراضي الأميركية. فهناك كثير من أفراد الشعب الأميركي، والعاملين في مجال السياسة، ضاقوا ذرعًا من ذلك الابتزاز الصهيوني، ويسعون بجدٍّ إلى إنهاء السيطرة الصهيونية على سياستهم الخارجية المتحيزة لدولة الاحتلال الإسرائيلي دائمًا، ويبقى أنْ تتلقف الكيانات الأميركية من أصول عربية الخيط، وتعمل على دعم مِثل تلك الأصوات التي تسعى المنظمات الصهيونية إلى ابتزازها بُغية إسكاتها.