أحمد صبري
أفرزت نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق تموضعا سياسيا قد يفضي إلى تفكيك منظومة وبنية النظام السياسي الذي كان عنوانه التوافق بين القوى الوازنة في المشهد السياسي في تقاسم السلطات بينها على مدى السنوات التي أعقبت احتلال العراق، وربما إعادة تشكيلها من جديد. غير أن هذا الواقع الذي بدت ملامحه بالظهور بعد التحالف الثلاثي بين التيار الصدري والعرب السنة والأكراد أثار حفيظة قوى وأحزاب كانت على الدوام في صدارة المشهد السياسي رأت في هذا المنحى، والتحوُّل في مسار العملية السياسية استهدافا واستبعادا لدورها في الحياة السياسية، وهذا الطرف هو (الإطار التنسيقي الشيعي) الذي يضم قوى وأحزابا لم تحقق نتائج مرجوة تؤهلها لتكوين الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة القادمة، يقابلها كتلة برلمانية يقودها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري تضم السنة بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والأكراد بقيادة مسعود البرزاني تمتلك أغلبية في البرلمان.
وطبقا لمسار المشهد الجديد الذي شكلت ملامحه الانتخابات فإن فرص التوافق بين الطرفين شبه معدومة لإصرار الصدر على حكومة أغلبية برلمانية وليس توافقية مثل الحكومات التي أعقبت الاحتلال وفشلت في مهماتها على مدى السنوات الماضية، واستبعاد رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي في أي اتفاق محتمل.
إن التموضع السياسي والطائفي الجديد يعكس حال العراق اليوم، وأزمة الثقة التي تتكرس في الحياة هي تعبير عن المأزق الذي يعيشه العراق منذ احتلاله وحتى الآن، وحالة عدم التوافق بينهم انعكست سلبا على الأداء الحكومي والبرلماني، وإخفاقات القائمين عليه في تلبية حاجات المواطن، خصوصا الأمن والحفاظ على وحدة العراق وحماية المال العام من المفسدين.
توصيفنا للحالة التي يمرُّ بها العراق فإن التوافق في تشكيل الحكومات الماضية وتقاسم السلطات بين المكوِّنات العراقية لم تنجح في بلورة رؤية تنقل العراق من حال إلى حال بسبب صيغة وخيار التوافق الذي ينبغي البحث عن حلول لإخراج العراق من مأزقه الذي عطَّل الحياة السياسية، ووفَّر الحماية لسرَّاق المال العام وأفقر العراقيين، كما يؤكد التحالف الثلاثي.
إن علاقة السياسيين ببعضهم يشير إلى أن هؤلاء تحولوا من شركاء في الحكم إلى أعداء من فرط الخلافات التي تعصف بهم، وأزمة الثقة وعقدة الخوف والارتياب بين مكوِّناتهم. إذًا الحلول لاختراق الانسداد السياسي وفتح ثغرة في جداره تحتاج إلى جهود ورافعة قد تفضي إلى مخارج، وهي غيرة متوافرة حاليا رغم الضغوط العربية والإقليمية التي تصطدم بتصلب مواقف الطرفين إزاء الحل المنشود.
وما يعقِّد المشهد السياسي تلويح ولجوء أحد الطرفين إلى الثلث المعطِّل، الأمر الذي يتسبب في تعطيل عمل الحكومة ومشاريعها، فضلًا عن تعطيل الحياة السياسية بين رموز النظام الحاكم. فمن دون إعادة شاملة وحقيقية وصادقة لأسس تشكيل نظام الحكم ومنظومته السياسية الفاشلة من جديد، ومغادرة سياسة الإبعاد والتهميش والاستئثار بالقرار السياسي، فإن أي حلول لانتزاع مخالب التوافق الطائفي لن تأخذ بنظر الاعتبار نتائج ما خلَّفته هذه السياسة، ستكون كارثية على العراقيين وتضيف أحمالا جديدة على كاهلهم.