في تاريخ كُلِّ وطن لحظات تاريخية، استقى منها الوطن لبناته وأنبتت في ظلها الجذور، وأثمرت فسائل يانعة، بلغت من الشموخ مبتغاها وأملها، وكانت انطلاقة لعصر جديد مهَّد الطريق لدولة قويَّة متينة البنيان. وتخليد هذه الانطلاقة يؤكِّد العمق التاريخي لهذا الوطن، وجذوره الراسخة الممتدَّة، ورسالة أمل بأنَّ الحاضر ماضٍ للحفاظ على مكتسبات تلك النهضة المباركة، وعازم على تجديدها، والتمسك بوثاق اللحمة التي طالما جمعت قيادتها الحكيمة وشَعبها الوفيَّ، والتي كانت أساسًا قام عليه هذا البنيان المتماسك القواعد والأركان، تلك القواعد المتينة التي تتحلَّى بأفضل القِيَم السَّامية الرفيعة، المستقاة من تاريخ هذا الوطن التليد، ليظل يوم انطلاق هذه الدولة وذكرى تأسيسها الحديث، فرصة لتزهو الأنفس والمشاعر فخرًا بماضيها القريب، واعتزازًا بحاضرها الذي يواكب الطموحات، بقيادة حكيمة متطلِّعة لرسم مستقبلها، بغرس معانٍ متجدِّدة تكتسي بالإخلاص والوفاء والولاء والانتماء.
وانطلاقا من ذلك، فإنَّ ترسيخ هذا الإرث العظيم الذي خلَّفه قادة أجلَّاء، بنوا بالبسالة والقوَّة والشجاعة سيرة عطرة وتاريخًا خالدًا لهذه الأرض الطيِّبة، هو مفتاح القوَّة لحاضرنا، ومنه نبتغي مستقبلنا، وهذا ما أدركته القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وسعت إلى ترسيخه بعدَّة طرق آخرها تدشين ركن المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ بقاعة عصر النهضة بالمتحف الوطني، والذي يُعدُّ إضافة مهمَّة تجسِّد مرحلة مفصلية من تاريخ عُمان الحديث من خلال عرض الإرث الخالد للسُّلطان الراحل ـ رحمه الله ـ والتعريف به تقديرًا وإجلالًا لإنجازاته خلال مراحل النهضة على مدى خمسة عقود أرست قواعد ودعائم ما عليه البلاد من مظاهر ونتائج التنمية الشاملة التي تتواصل الآن بخُطى ثابتة ونوعيَّة إلى مستقبل أكثر إشراقًا وثباتًا بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم ـ أعزَّه الله ـ.
ويأتي هذا الاحتفاء بسُلطاننا الراحل ـ غفر الله له ـ ودَوْرِه التاريخي الذي أسهم في انتقال البلاد إلى عصر دولة المؤسسات الحديثة منذ عام 1970 وشهدت خلالها العديد من التغيُّرات الجذرية في مختلف مجريات الحياة، ويكون إلهامًا يشحذ هِمم الأجيال الحالية والمستقبلية، يذكر قصَّة المَجد التي صنعت بسواعد عُمانية، سيظل التاريخ يتذكرها ويضعها في صدر صفحاته، لتكون مصدر إلهام لكُلِّ مُبتغٍ للعُلا ساعٍ للنُّهوض الوطني، فدعوة السُّلطان الراحل ـ طيَّب الله ثراه ـ في خطابه الأول، كانت انطلاقة للبُعد الاستراتيجي في النَّواحي التعليمية والصحية والسياسية والاقتصادية والبيئية والمجتمعية التي عزَّزت اليوم موقع السَّلطنة إقليميًّا وعالميًّا، وشكَّلت انطلاقة لركائز التنمية الشاملة المتسارعة، ولحركة النهضة العلمية وازدهار النشاط الثقافي والمعرفي؛ باعتبارها مقصد العِلم وطلابه على مرِّ التاريخ، حيث أطلق صيحته الشهيرة، بالتعليم ولو تحت ظلِّ شجرة، لتكون نواة بُني عليها منظومة تعليمية متطوِّرة، تواكب أفضل المنظومات التعليمية في العالم أجمع.
إنَّ هذه اللَّفتة السَّامية من لدن قائدنا المفدَّى ـ أيَّده الله ـ وحرصه على تخليد السُّلطان الراحل، في حدِّ ذاتها تغرس في نفوس أبنائنا أزكى معاني الإخلاص والوفاء، وحرص جلالته ـ أبقاه الله ـ على إقامة معارض مؤقتة في عددٍ من المحافظات سيتمُّ خلالها عرض عددٍ من المقتنيات الإضافية للسُّلطان الراحل ـ رحمه الله ـ بهدف ربط منجزات النهضة بالأبعاد المختلفة لشخصية السُّلطان الراحل، تأكيدًا على أنَّه ماضٍ في تجديد شباب تلك النهضة المباركة، وأنَّه خير خلف لخير سلف، وأنَّه ماضٍ على الثوابت الراسخة لهذه النهضة. فمقتنيات المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه ـ تحمل دلالات ومعانيَ تتجاوز حدود هذا الوطن، وتجسِّد أثَر السُّلطان الراحل ومكانته على الصعيدَيْنِ الإقليمي والدولي، لذا فعرضها للأجيال القادمة سيجعلهم حريصين على العمل لبقاء هذه المكانة حاليًّا ومستقبلًا.