خميس بن عبيد القطيطي
تحل الذكرى الأليمة لنكبة فلسطين في الـ١٥ من مايو في ظل مشهد عالمي متوتر وحالة من الحذر والترقب لما ستفرزه الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي يبدو فيها تقدم روسي من خلال تحقيق نجاحات سياسية وعسكرية واقتصادية في معركة عنوانها الأبرز أكون أو لا أكون. هذه الأزمة المفتعلة من قبل دول المعسكر الغربي ـ إن جاز التعبير ـ التي أرادت التماس مع الأمن القومي الروسي عبر حلفها العسكري الناتو، وهو خط أحمر لدى روسيا لا يمكن الانحناء أمامه، وبالتالي فإن التحرش بوريث القياصرة السوفيت ربما يقلب المعادلة الدولية ويؤسس لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ينهي حقبة الأحادية القطبية. وما يحدث الآن يُعدُّ إرهاصات تعبِّر عن تغيير قادم في النظام العالمي، وعلى الصعيد الإقليمي والعربي تبرز فلسطين في واجهة الأحداث من خلال المواجهات المتصاعدة في القدس الشريف والتي تتفاعل معها مختلف المدن الفلسطينية، وكذلك الاعتداءات الصهيونية على مواقع إيرانية ـ سورية في سوريا والتي لا يمكن فصلها عن المفاوضات النووية الجارية في فيينا، والتي تقدم مؤشرات سلبية قد لا تتمناها مجموعة (٥+١). بالمقابل هناك مفاوضات سعودية إيرانية في العاصمة العراقية يمكن أن يتبعها لقاء يجمع الرئيس الإيراني بولي العهد السعودي يحتمل أن تستضيفه العاصمة العُمانية مسقط، كذلك هناك انتخابات نيابية تجري في لبنان ويُعدُّ حزب الله الحاضر الأبرز فيها، كل هذه التطورات الإقليمية والدولية تميل لصالح القضية الفلسطينية، إلا أن أبرز التحوُّلات في المشهد الفلسطيني هو تلك الإرادة والثقة التي تمتلكها المقاومة بالتوازي مع المشهد الشعبي الداخلي لأبناء فلسطين الذين رسموا قواعد جديدة للصراع تعتمد على الذات مما جعل كيان الاحتلال يقف مذهولا أمام كل تلك المتغيرات، فلا هو يمتلك الإرادة لإعادة الحقوق الفلسطينية بالانسحاب وعودة اللاجئين وإطلاق سراح المعتقلين ووقف التوسع والاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، كما أنه لا يمتلك الجرأة على المغامرة بالمواجهة لإدراكه التام بمستوى رد المقاومة وماذا تعنيه صواريخ الفصائل الفلسطينية؟ وما ألمح إليه السنوار بالرشقة ١١١١ كإشارة بليغة تدرك "إسرائيل" معانيها، وبالتالي فإن الاحتلال اليوم يعيش في أزمة خيارات استراتيجية، وذلك لأول مرة في تاريخه، ويعلم أن الوقت القادم ليس في صالحه.
بالأمس أعلنها السنوار وهو ـ بلا شك ـ في صدارة قائمة المطلوبين لدى الكيان المحتل، خصوصا بعد سيف القدس قال: "إنني أتمنى أن أستشهد بصاروخ من "أف ١٦" بدلا من الموت بأي شكل آخر وإنه لشرف عظيم أن أستشهد وأنا أقول للاحتلال إنني هنا سأخرج من المؤتمر الصحفي بعد ١٠ دقائق وأحتاج إلى ١٠ دقائق أخرى ثم سيرا على الأقدام إلى مكتبي ثم إلى بيتي وهم يعرفونه" في لغة تحدٍّ واضحة وإيمان عظيم صادق بأن الشهادة ستكون عندما يحددها الله سبحانه وتعالى، فلله دره من بطل!! هكذا هم أبطال فلسطين في هذا الزمان والله إنهم لمفخرة لهذه الأمة. وهناك مشاهد ومواقف عظيمة لا تحصى من هذه البطولات قدمها أبناء الشعب الفلسطيني الأبطال أمثال الشهيد عمر أبو ليلى والشهيد رعد فتحي حازم والمعتقلين في سجون الاحتلال الذين عرفوا بأصحاب الأمعاء الخاوية والعديد من ماجدات فلسطين مثل عهد التميمي والقائمة تطول، وقد عبَّر عن ذلك الصحفي "الإسرائيلي" تسفي يحزقيلي المختص بالشؤون العربية في القناة 13 العبرية:
"الجيل الفلسطيني الشاب الحالي، لا يخشى قوات الاحتلال ولم يعد يحسب له أي حساب، إن كان باستطاعتي تحليل العمليات الأخيرة، فأنا أتحدث عن جيل لم يعد يحسب حسابا للشاباك ولا يخاف منه" وهذا يؤكد أن مراهنات الاحتلال على أن هذه الأجيال سوف تنسى قضيتها باءت بالفشل. لقد ولد هذا الجيل تحت ظلال قضيتهم الكبرى وتشربوا مشروع التحرير وهم أولى وأجدر بأن يرسموا ويعمدوا مشروع التحرير بالدماء والأشلاء، فما حدث في المسجد الأقصى والرباط العظيم والمشاهد العظيمة التي قدمها أبناء القدس تنقش بماء الذهب على صفحات التاريخ .
نعم لقد فقد الاحتلال صوابه وأصبح لا يستطع تحديد خياراته، فالمجازر والمذابح والتهجير والتدمير الذي اعتمده كقواعد للرعب أثناء احتلال فلسطين عام ١٩٤٨م أصبحت اليوم غير مجدية أمام هذا الواقع الفلسطيني العزيز، وكذلك الاجتياحات المتكررة والعدوان المستمر والغطرسة التي اعتمدها طوال الـ٧٤ عاما والمبادرة التي كانت لديه في القتل والتدمير اختلفت اليوم؟! فالأبطال في الضفة وأراضي الـ٤٨ يقدمون ملاحم فدائية، والمرابطون في القدس الشريف يذودون عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مؤكدين أهمية الرباط في سبيل الله، وانطلاق الصواريخ والمسيرات من قطاع غزة قلبت قواعد الصراع والردع، فلله در المقاومة كيف أضاءت سماء فلسطين المحتلة خلال معركة سيف القدس العام الماضي. والقادم أعظم!
المناضلة العظيمة المجاهدة شيرين أبو عاقلة هنيئا لك الشهادة أيتها البطلة، ولك الرحمة والمجد والخلود كنت أظن منذ عام ١٩٩٦م أن خير ما يليق بتاريخك النضالي هو الشهادة، فقد كانت صباح هذا اليوم ١١ مايو ٢٠٢٢م، فما أعظمها من خاتمة لا تليق إلا بأمثالك! لقد أتممتِ نضالك وأنتِ تنقلين لقناة الجزيرة مشاهد الإجرام الصهيوني في مخيم جنين مرتدية سلاحك الإعلامي الذي يخشاه العدو، فوالله أن عزاءنا فيك ولأسرتك الكريمة وزملائك نقول إن الله اختار لك إحدى الحسنيين وهي الشهادة وأنتِ ورفاقك الشهداء تمهدون للحسنى الأخرى وهي النصر المؤزر العظيم، فطوبى لكم وحسن مآب.
الله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، تحية لكم أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، والله إنكم صدقتم حديث الرسول وما زلتم ظاهرين على عدوكم حتى يأتي أمر الله، تحية لكم يا أبطال المقاومة في كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب المقاومة الفلسطينية، والتحية موصولة لكل الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تعد أداة مشروع التحرير العظيم، تحيا فلسطين من البحر إلى النهر عاصمتها القدس الشريف، وأن الأرض سيرثها عباد الله الصالحون والعاقبة للمتقين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والحمد لله رب العالمين.