فقدت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ومجلس التعاون الخليجي والأمَّتان العربية والإسلامية قائدًا كبيرًا هو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بعد مسيرة حافلة من العمل والعطاء يشهد به القاصي والدَّاني، حيث حرص الفقيد ـ رحمة الله عليه ـ منذ تَولِّيه الحُكم في الثاني من فبراير لعام 2004م، خلفًا لوالده القائد المؤسِّس لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، على كُلِّ ما من شأنه رفعة وطنه وأمَّته وقضاياها، أكَّد الشيخ خليفة على ضرورة إجراء تطويرات سياسيَّة، لا تقتصر فقط على طُرق الحوكمة، بَلْ تشمل أيضًا إصلاحات مجتمعيَّة ترفع من شأن الوطن والمواطن الإماراتي في الميادين كافَّة، وتعزِّز الانتماء الوطني، وانتقل ببلاده من مرحلة التأسيس، إلى مرحلة التمكين التي حقَّقت نقلة اقتصاديَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة كبرى، شملت جميع أرجاء دولته، وشعر بها مواطنوه كافَّة، وتحوَّلت الإمارات أثناء سنوات حُكمه الثماني عشرة إلى بلد يشار إليه بالبنان، حيث أطلق الشيخ خليفة خطَّته الاستراتيجيَّة الأولى لحكومة الإمارات لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة وضمان تحقيق الرَّخاء للمواطنين الإماراتيين، وجعل الإمارات منارة تقود شَعبَها نَحْوَ مستقبَل مزدهر يَسودُه الأمن والاستقرار.
واستطاع خلال فترة حُكمه بناء دولة فتيَّة تبوَّأت مراكز الصدارة في مؤشرات التنافسيَّة المقياس المعياري لتقدُّم الأُمم، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربيَّة، حيث تحقق ذلك الإنجاز الضَّخم بجانب مساحتها وعدد سكَّانها؛ لِيكُونَ بذلك خيرَ خلَف لخيرِ سلَف. فقد اتَّبع سياسة رشيدة، بَنَتْ على ما شيَّده والده الرَّاحل الشيخ زايد آل نهيان ـ طيَّب الله ثراهما ـ في مرحلة التأسيس، وذلك بفضل مشاركته منذ انطلاق دولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة في بناء تلك المنظومة الشَّامخة في الأصعدة كافَّة، حيث تمَّ تعيينه في سنِّ (18) ثمانية عشر عامًا، المسؤول التنفيذي الأوَّل لحكومة والده الشيخ زايد بن سلطان، وتولَّى مهام الإشراف على تنفيذ جميع المشاريع الكبرى، حيث أشرف على المجلس التنفيذي في تحقيق برامج التنمية الشاملة في إمارة أبوظبي، كما عُيِّن نائبًا للقائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة لدولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة، في أعقاب القرار التاريخي للمجلس الأعلى للاتِّحاد بدمج القوَّات المسلَّحة تحت قيادة واحدة وعلَمٍ واحد، فأنشأ عدَّة كُليَّات، وأمَرَ بشراء أحدث المعدَّات والمنشآت العسكريَّة لبلاده.
ولم تقتصر إنجازات الراحل الشيخ خليفة وشمائله على الشَّأن الداخلي الإماراتي فقط، فقد حرص على انتهاج سياسة خارجيَّة نشطة، تدعم مركز دولة الإمارات كعضو بارز وفعَّال، إقليميًّا، وعالميًّا، حيث كان من أشدِّ المُناصرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة، ويؤمن بأنَّ نجاح وإنجازات هذا المجلس تعكس عُمق التَّلاحم بَيْنَ قادته، كما أظهر المغفور له بإذن الله التزامه بتعزيز العلاقات الدوليَّة باستقبال قادة من دوَل آسيا، وأوروبا، والدوَل العربيَّة الأخرى، فقد كان يؤمن بأنَّ العلاقات الطيِّبة وحُسن الجوار، هي بوَّابة التنمية على جميع الأصعدة. وبفضل هذه الرؤية، فقد حقَّقت الدبلوماسيَّة الإماراتيَّة خلال حُكم الشيخ خليفة، انفتاحًا واسعًا على العالم الخارجي، أثمر إقامة شراكات استراتيجيَّة في كُلِّ المجالات مع كثير من دوَل العالم، كما كان للرَّاحل أيادٍ بيضاء في مجال العمل الإنساني، حيث أنشأ مؤسَّسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانيَّة، والتي تُعدُّ أبرز الجِهات المانحة للمساعدات الخارجيَّة، حيث وصلت مساعداتها المختلفة إلى (70) سبعين دولة.
وعلى الصَّعيد الثُّنائي، فقد سعى الشيخ خليفة إلى تنمية العلاقات الثنائيَّة الأخويَّة مع السَّلطنة، وسعى إلى أنْ تكُونَ أكثر تماسكًا ورسوخًا أثناء فترة حُكمه، حيث تُعدُّ هذه العلاقة مثالًا للرَّوابط القويَّة المتأصِّلة في وجدان البلدَيْنِ وتاريخهما المشترك، إلى جانب الزيارات المتبادلة بَيْنَ القيادتَيْنِ. ويؤكِّد نعي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأمْرُه . بإعلان الحِداد الرسمي وتنكيس الأعـلام في القطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ، وفي سفارات السلطنة في الخارج لمدَّة ثلاثة أيَّام ابتداء من الجمعة، وحتى اليوم الأحد، يؤكِّد حِرص السَّلطنة (قيادةً وحكومةً وشعبًا) على مشاركة الأشقَّاء في دولة الإمارات العربيَّة المُتَّحـدة أحـزانهم في مصابهم الجلل.
رحم الله الشيخ خليفة بن زايد، وجزاه الله خير الجزاء على ما قدَّم وأعطى لشَعبه وأُمَّته، وأعانَ الله خلَفه سُموَّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على إكمال المسيرة الظافرة لدولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة الشقيقة وقيادة الشَّعب الإماراتي إلى مزيد من الخير والرَّخاء.