ناصر اليحمدي
لا يخفى على أحد أن الأزمة الصحية العالمية التي سببتها جائحة "كوفيد19" خلال العامين الماضيين أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي بما فرضته من عزلة وتوقف لعجلة الإنتاج والحياة بصفة عامة.. وكان هذا التأثير واضحا وجليا من خلال الركود المالي الذي أصاب الكثير من الاقتصادات وتراكم المديونيات في كل دولة.. وما أن بدأ العالم يلتقط أنفاسه ويستعيد عافيته الصحية والمالية بعد اكتشاف اللقاحات وانتشار التطعيم والالتزام بالإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي واتباع سياسات لتحسين الأوضاع المالية حتى أصاب الاقتصاد العالمي أزمة طاحنة أكبر من سابقتها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.. فالمشهد الاقتصادي العالمي الحالي القاتم يدل على أن هذه الحرب لا يقتصر تأثيرها على كلتا الدولتين فقط بل جميع الدول أيضا.. فالتضخم هو العنوان الرئيسي في الأسواق، سواء المتقدمة أو النامية وعلى كافة المستويات وشمل كل السلع تقريبا.. والتنبؤات بتباطؤ معدلات النمو بل وانكماشها تزداد يوما بعد يوم.
وبالطبع السلطنة ليست بمعزل عن هذه الأزمات العالمية، لا سيما أن معظم السلع في الأسواق العُمانية مستوردة من الخارج؛ أي تتأثر بشكل مباشر بالأسعار العالمية.. ولكن السياسة الرشيدة التي اتبعها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تمكنت من عبور الأزمة المالية التي اشتدت بسبب فيروس كورونا، واستطاع ـ أيَّده الله بنصره ـ بفضل الفكر الحكيم أن يحقق نموا اقتصاديا ونجاحا ملموسا أشادت به العديد من الهيئات المالية الدولية، وتمكن من عبور النفق المظلم الذي كنا نسير فيه رغم استمرار الجائحة.
أما الآن فما يمر به العالم من تضخم وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية ناجم عن أن روسيا وأوكرانيا من أهم مصدري المواد الغذائية في العالم، ناهيك عن ارتفاع أسعار الوقود التي بدورها رفعت أيضا من أسعار السلع.. وهذا يدفعنا للتساؤل: ما هي الحلول المناسبة بالنسبة للسلطنة لتجاوز التحديات الجديدة؟
نحن على يقين بأن إدارة حضرة صاحب الجلالة ستتمكن من عبور الأزمة بإذن الله؛ لأن ثقتنا في فكر جلالته الصائب لا حدود لها.. وكما استطاع ـ أعزَّه الله ـ أن يواجه الأزمة الكبرى التي مرت بها البلاد خلال العامين الماضيين بكل نجاح واقتدار سيتمكن إن شاء الله من عبور الأزمة الحالية وستخرج البلاد بمكاسب عديدة.
لا شك أن الأزمة المالية العالمية الحالية دقت أجراس إنذار لأكثر من إجراء علينا وضعه في عين الاعتبار أهمها ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، والأمر هنا لا يكون بالبحث عن مستورد جديد بعيد عن طرفي الحرب بل بمحاولة استغلال الموارد المتاحة وتطويع الطبيعة لتحقيق هذا الاكتفاء.. وكذلك علينا تشجيع الاستثمار بما يسرع من حركة عجلة الإنتاج ويوفر فرص عمل إلى جانب ما يتيحه من سيولة مالية تزيد من نشاط السوق وبالتالي تساعد على التصدي للتضخم وغير ذلك من الحلول التي يقترحها أصحاب الاختصاص من الاقتصاديين.
هذا على مستوى الدولة أما على مستوى الأفراد فلا بد من اتباع سياسة ترشيد الاستهلاك وحسن إدارة دخل الأسرة ومحاولة رفع مستواها عن طريق إقامة مشروعات صغيرة تدر عليها دخلا إضافيا يسهم في تجاوز الأزمة.
نحن لا نعلم ما ستحمله لنا الأيام القادمة ومتى ستنتهي الأزمة الحالية.. ولكن ما لا يختلف عليه اثنان أن تداعيات الحرب مستمرة لسنوات، وحتى وإن انتهت اليوم، وهذا ما يجب أن يتحسب له كل رب أسرة حتى يستطيع توفير المستقبل المأمول لأبنائه.
* * *
أقبلت عليّ ابنتي وهي تتراقص من الفرحة على أثر رسالة نصية وصلتها على هاتفها الجوال يخبرها أحد المحال التجارية بأنها حصلت على هدية خاصة عبارة عن قسيمة بقيمة خمسة ريالات من منتجات إحدى الشركات المعروفة التي عادة ما يقبل الشباب على شرائها، وأنها لكي تستلم هديتها عليها الحضور لأحد فروع المحل وإبراز الرسالة التي وصلتها.. وبعد إلحاح من ابنتي في الذهاب توجهنا للمكان المنشود، ولكننا فوجئنا بأنه لا يمكننا تسلم تلك القسيمة التي حصلت عليها كهدية إلا بعد شراء منتجات أخرى تفوق قيمة القسيمة ذاتها.. فأخبرنا الموظف بأننا لسنا بحاجة لهذه المنتجات، ولكنه قال إن هذا شرط لكي نحصل على الهدية.. ورغم أن ابنتي كانت ما زالت مصرة على الحصول على هديتها، إلا أنني رفضت ذلك بشدة؛ لأنني أحسست أن هذا نوع من الاحتيال والاستغلال.
وبعد عودتي إلى المنزل وأثناء اطلاعي على بعض التغريدات المتداولة على "تويتر" وجدت أن بعض المواطنين تعرضوا أيضا لنفس الموقف ويتذمرون من رسائل تلك المحال الخداعة.. وما هي إلا ساعات حتى قرأت أن هيئة حماية المستهلك اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة حيال هذا الموضوع على اعتبار أن هذا التصرف يعد من قبيل التضليل في العروض، وأن هذه المحال لم تحصل على تصريح من الأساس بالترويج بهذه الطريقة، وهو ما يخالف نصوص القانون.
لا شك أن سرعة استجابة هيئة حماية المستهلك تدل على مدى يقظة المسؤولين فيها وإخلاصهم ووفائهم ووطنيتهم وحسن خدمتهم لمجتمعهم، فهم يتابعون الأسواق بكل جد وهمة ويحرصون على تحقيق مصلحة المواطن، وعلى ألا يقع في فخ الخداع والتضليل والاحتيال.
إن مثل هذه الطرق في التعامل التجاري لم نشهدها من قبل والتي تهدف في المقام الأول لتحقيق الثراء السريع حتى ولو على حساب المواطن العادي وبطرق فيها نوع من التحايل، وهو ما يعد استهانة بالقوانين من أجل الحصول على المال، وهذا لا يمت للتجارة الشريفة بصلة ولن يؤدي إلى نجاح التاجر، فما بني على باطل فهو باطل؛ لأن التجارة الناجحة قوامها الأمانة والثقة المتبادلة بين التاجر والمستهلك ومراعاة الجودة والمواصفات القياسية للسلعة، وهذا درس يجب أن يعيه كل من هو مقبل على إنشاء مؤسسته الصغيرة والمتوسطة والتي تشجع قيامها حكومتنا حاليا.
إن تكاتف الجهود بين هيئة حماية المستهلك والمواطنين والعمل بصورة جماعية للوقوف بصدق وحزم لكل تاجر غشاش هو الضمان الوحيد لإجبار التجار على التعامل بشفافية وصدق وأمانة حتى يكون مكسبهم حلالا وعدم انتشار مثل هذه الوسائل الغريبة في البيع والشراء.