محمد بن سعيد الفطيسي
باتت التحوُّلات المستمرة والنوعية في استراتيجيات التنظيمات الإرهابية تؤرق العديد من حكومات العالم؛ خصوصا تلك المتعلقة منها باختيار أهدافها وضحاياها؛ لذا أكدت دراسة حديثة نشرت لي بمجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية بعدد مارس 2022 وهي مجلة محكمة تحت عنوان: الأهداف السهلة والعشوائية المنظمة دراسة في الاتجاهات الحديثة لاستراتيجيات التنظيمات الإرهابية في اختيار أهدافها النوعية لعملياتها المستقبلية، وجود تحوُّل واضح في اختيار التنظيمات الإرهابية لأهدافها الاستراتيجية خلا ل الفترة من 2005 – 2021 حيث ارتكزت على ما يطلق عليه بالأهداف السهلة والأهداف العشوائية المنظمة.
وتعرف الأهداف السهلة بشكل مختصر بأنها أهداف أو مواقع غير حصينة يسهل تعرضها واستهدافها، لا تكون مؤمنة في الغالب، أما الأهداف العشوائية المنظمة فهي أهداف يبدو للوهلة الأولى على أن اختيارها من قبل التنظيمات الإرهابية يحمل سمات العشوائية والفوضى وعدم الانتظام، لكن مع التمعن والتحليل يتأكد أن اختيار تلك الأهداف للعمليات الإرهابية كان يحمل نوعا من الأنماط الحركية المنظمة وغير العشوائية.
ويتضح أن للأهداف السهلة والعشوائية المنظمة خصائص وأهدافا، بالإضافة إلى ارتباط واضح إلى حد بعيد مع ما يطلق عليه بالإرهاب الفردي أو إرهاب الذئاب المنفردة؛ أما النسبة لأهم تلك المواقع (الأهداف) التي ركزت عليها التنظيمات الإرهابية فهي الأهداف المتعلقة بالأحداث الرياضية الكبرى، كذلك الأهداف السياحية والتجارية مثل مراكز التسوق والفنادق، بالإضافة إلى الأهداف الدينية وأماكن العبادة.
أما بالنسبة لخصائص تلك الأهداف فهي على النحو الآتي: مزدحمة بالأشخاص في الغالب مفتوحة لعموم الناس: مثل المتنزهات والمواقع السياحية، غير محصنة: في الغالب، يسهل الوصول إليها." ووفقا لمحلل الإرهاب بروس هوفمان "فإن الاستراتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة تتمثل في تمكين الأفراد وتحفيزهم على ارتكاب أعمال عنف خارجة تماما عن أي سلسلة قيادية تنظيمية، ومن الواضح أن هناك اهتماما من أيديولوجيي القاعدة لمحاولة سد الفجوة بين الطبيعة العشوائية للعمليات التي تنفذها الذئاب المنفردة والنظرة الجهادية العالمية في منابرهم الإعلامية"(1)
على ضوء ذلك نطرح السؤال الآتي: ما أبرز الاتجاهات الأمنية لتحجيم مخاطر الأهداف النوعية للعمليات الإرهابية؟ وما أهم سبل تخفيف التهديدات ذات الصلة بالأهداف النوعية داخليا والتي توصلت إليها الدراسة؟
أولا لا بُدَّ أن نعلم أن الحكومات هي المسؤول الأساسي عن حماية الأهداف النوعية، ومن ضمنها تلك الأهداف العشوائية والسهلة من الهجمات الإرهابية. كما أنه من الأهمية بمكان أن تتعاون تلك الحكومات المركزية والمحلية، وقادة المجتمع، والجهات الفاعلة الدينية، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص من أجل تحديد السبل الكفيلة بتخفيف المخاطر والتهديدات ذات الصلة"(2) كما "يفترض بالمدنيين أن يساعدوا في حفظ الأمن عبر التحلي بالحذر واتباع التعليمات مثل بطاقات للسلامة تم لصقها على ظهور المقاعد في قطارات أمتراك والتي تحمل عبارة تقول: لو رأيت شيئًا مريبًا أو غير مألوف، لا تسكت!"(3)
أما أبرز تلك الاتجاهات الهادفة لتحجيم مخاطر الأهداف العشوائية والسهلة التي تختارها التنظيمات الإرهابية فهي على سبيل المثال "احتواء حواضن الفكر الإرهابي في بيئاته المختلفة، وتجفيف المنابع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنشأته وازدهاره في تلك الحواضن، ويكون ذلك من خلال اقتراب متعدد المداخل يتكامل فيه الاقتصادي مع الأمني مع السياسي مع الاجتماعي مع الثقافي، الأمر الذي يتطلب جهودًا دولية صادقة للخروج من نفق الإرهاب الذي بات المهدد الأبرز للسلم والأمن الإنساني على المستويات كافة"(4)
مجلس الأمن بدوره وفي قراره رقم 2396 الصادر في العام 2017م أكد على "ضرورة قيام الدول الأعضاء بتطوير أو مراجعة أو تعديل تقييمات التهديدات والمخاطر الوطنية للنظر في الأهداف السهلة، ووضع خطط الطوارئ والاستجابة للطوارئ المناسبة للهجمات الإرهابية. كما دعت الدول إلى إقامة أو تعزيز شراكات وطنية وإقليمية ودولية مع أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص بشأن تبادل المعلومات والخبرات من أجل منع وحماية وتخفيف والتحقيق والاستجابة والتعويض عن الأضرار الناجمة عن الهجمات الإرهابية ضد الأهداف غير المحصنة"(5)
وقد" أقرت لجنة مكافحة الإرهاب في عام 2018 إضافة لمبادئ مدريد التوجيهية لعام 2015 مع توصيات محددة فيما يتعلق بحماية الأهداف السهلة والبنى التحتية الحيوية. وعلى وجه التحديد، حيث يشدد المبدأ التوجيهي الإضافي السادس عشر الدول الأعضاء على تحديث التخطيط للطوارئ، ووضع آليات لتبادل المعلومات وتقييم المخاطر، وكذلك الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والمساعدة في تقديم تنمية القدرات المستهدفة والتدريب"(6)
أوصت الدراسة في ختامها بتوصيات، نورد أبرزها ـ على سبيل المثال لا الحصر: التنسيق وتبادل المعلومات والدراسات حول أبرز التنظيمات الإرهابية التي تعتمد الأهداف السهلة والعشوائية المنظمة في عملياتها الإرهابية وطرق مواجهتها. كذلك إلزام مالكي المواقع التي ينطبق عليها تسمية الأهداف السهلة على اتخاذ خطوات عملية لمعالجة الاحتياجات الأمنية ذات الصلة والحدِّ من نقاط الضعف لديهم، بالإضافة إلى التأكيد على رفع مستوى المراقبة داخل وخارج محيط الفنادق والمنتجعات السياحية والتجارية وغيرها من الأهداف التي يسهل الوصول إليها، من خلال التضافر بين العنصر البشري المدرب والعنصر التكنولوجي الدقيق، لا سيما فيما يتعلق بالمتفجرات والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والعناصر الانتحارية والمسلحة.
ـــــــــــــ
مراجع
1- د. فالح فليحان الرويلي، استراتيجيات التنظيمات المتطرفة في التجنيد عبر الإنترنت "داعش نموذجا" جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، العام 2018م
2- فلاديمير فورونكوف، جلسة إحاطة مفتوحة للجنة مكافحة الإرهاب حول بناء شراكات في حماية الأهداف غير المحصنة من هجمات إرهابية، البرنامج العالمي لحماية الأهداف المعرضة للخطر، مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، تاريخ النشر 27 / 1/ 2019م، تاريخ الدخول 22 / 2 / 2020م
3 -جويل أكينباك، خبراء: الإرهابيون يتعلم بعضهم من بعض. ويبحثون عن «الأهداف السهلة»، صحيفة الشرق الأوسط، ع (13503) تاريخ الدخول 17 نوفمبر 2015 تاريخ الدخول 22/ 2/ 2021م
4- مصطفى شفيق علام، حرب لا تناظرية: "إرهاب الفنادق". الأهداف الرخوة للتطرف، تاريخ النشر 6 / 3/ 2016م على الرابط https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/368%
5- برنامج حماية الأهداف المعرضة للخطر، الأمم المتحدة، مكتب مكافحة الإرهاب
6- أنطونيو جوتيريش، خطة عمل الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية، تاريخ النشر 12 / 9 / 2019م، على الرابط:
https://www.un.org/sg/sites/www.un.org.sg/files/atoms/files/12-09-2019-UNAOC-PoA-Religious-Sites.pdf