د. أحمد بن علي المعشني:
خرج خالد مهاجرًا من بلده فرارًا من الدمار والحرب المشتعلة بين أبناء وطنه، جاء إلى جمهورية مصر العربية في عام 2012 بلا مال ولا مأوى لم يكن يمتلك شيئًا سوى اسماله المهترئة وتفاؤله وحسن ظنه بالله.استقبلته مصر وفي عقله (اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم) استقبلته مصر كأم تفتح حضنها لكل الذين تضيق بهم الظروف في أوطانهم، تفتح لهم قلوب أهلها وطيبتهم وحسهم الإنساني العميق وهناك أسعفه صاحب مطعم بسيط لـ(الشاورما) بوظيفة جرسون مقابل راتب زهيد جدًّا، بالكاد يوفر له لقمة عيش حلال. وبعد فترة أقل من سنة حصل على الإقامة، واستمر مخلصًّا مجتهدًا للمطعم الصغير الذي آواه ووفر له فرصة كسب لقمة العيش الحلال، بدأ خالد عمله مجتهدًا جدًّا، ينضبط في مواعيد الدوام، يأتي إلى العمل مبكرا ولا يغادر إلا متأخرًا بعد أن ينقطع الزبائن تمامًا في وقت متأخر من الليل.
ولم يكتف بذلك، بل كان حريصًا جدًّا على نظافة المطعم، يغسل الأرضيات بدون طلب من صاحب المطعم، ثم ينثر الورود والروائح الزكية، ويشغل القرآن الكريم من هاتفه المتواضع وأحيانا يفتح أغان محفزة للحياة، والحب والرضا والتفاؤل.استمر في عمله مجتهدًا متحمسًّا وصادقًا، وبعد فترة من استقراره أحاط المطعم بأحواض من الزهور والورود ونباتات الزينة المتسلقة، وكان يحرص كل يوم على التجديد والنظافة المتناهية وعلى تطوير أسلوب تقديم الخدمة واستقبال الزبائن بالتحية والابتسامة والاحتفاء بمقدمهم وحسن خدمتهم مع البشاشة والدعاء لهم. ولم يمض وقت طويل حتى صار محل (الشاورما) المتواضع مكانًا مكتظًا بالزبائن، ولم يعد يستطيع تقديم الخدمة بمفرده، فطلب من صاحب المطعم أن يزيد عدد الموظفين، فعيّن شابين آخرين وجعله مشرفًا عليهما، فدرب الشابين المصريين تدريبًا جيدًا، ولم يمارس اشرافه الفوقي عليهما، بل استمر يعمل كقدوة لهما في حركته وتفانيه في خدمة زبائنه.
اكتسب خالد شهرة في نوع خدمته وجودتها؛ الأمر الذي ما دفع صاحب المطعم إلى اشراكه في المطعم بنسبة 50 % فزاده ذلك همة ونشاطا، وصار أكثر ابداعا وخلال عامين من التحاقه بذلك المحل المتواضع استطاع أن يشتري شقة في حي راق، وتعلم قيادة السيارات واشترى سيارة متواضعة، وتزوج، وصار رب أسرة في وقت يعاني العديد من خريجي الجامعات من البطالة ويتجمعون حول موائد الغيبة والتذمر.
حرص خالد منذ قدومه إلى مصر أن ينشغل بشيء واحد فقط؛ وهو تجويد خدمته البسيطة لتواكب ذوق الناس وترتقي بمستويات طموحهم وبعد سنوات قليلة صار المطعم مشهورًا في مدينة 6 أكتوبر فدفعه ذلك إلى اقناع شريكه بتوسيع الخدمة ففتح فروعا في القاهرة والإسكندرية وفي بعض المدن المصرية، وخلال سنوات صار خالد يمتلك عقارات وسيارة فارهة واستقدم بعض اخوانه وأصدقائه ودربهم ثم عينهم في الفروع التي افتتحها. استمر خالد حتى هذه اللحظة ينمو ويتطور ويرتقي بخدمته في مجال (الشاورما) ولم يشتت جهوده ولم يبعثر طاقته في أفكار ومشاريع معقدة. تكمن حكمة نجاح خالد في قاعدة ذهبية أن تقنع بما تجد وتطور نوع الخدمة التي تقدمها وأن تركز جيدًا في مستوى ونوع الخدمة وتظهر الحماس والمثابرة وأن تمارس عملك بصدق وأمانة وتجعلهما شعارك في الحياة.

* رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية