محمد عبدالصادق
مشهد ظهور حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق في الانتخابات الماضية، كان مشهدا لافتا، في حفل الإفطار الذي دعا فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإطلاق حوار وطني يشارك فيه كافة التيارات والأحزاب السياسية، لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة.
ولم يكن حمدين صباحي الحاضر الوحيد من السياسيين الغائبين عن المشهد السياسي المصري خلال السنوات الماضية، بل حضر الحفل العديد من النشطاء والمعارضين، وأعضاء من جبهة الإنقاذ الذين شاركوا في تحالف 30 يونيو 2013م.
تباينت ردود الفعل تجاه هذه الدعوة للحوار؛ فهناك تيار من مؤيدي النظام، يرون أن مصر ليست في حاجة للحوار، وأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستقرة و"عال العال"، وأن النظام قادر على تجاوز الأوضاع المعيشية الصعبة الراهنة، التي يعاني منها سائر دول العالم، والناتجة عن عوامل مستوردة من الخارج، لا دخل للحكومة بها، والمتمثلة في التحام جائحة كورونا بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي صاحبها موجة تضخم عالمية عاتية.
كما أن المعارضين للنظام يرون أيضا أنه لا جدوى من الحوار، وأنه جاء للتغطية على حالة الاحتقان المجتمعي تجاه موجة الغلاء التي ضربت البلاد مؤخرا، والتي رافقها انخفاض قيمة الجنيه المصري، وتراجع الاستثمار، وزيادة الديون الخارجية لمعدلات قياسية، وراحوا يشككون في جدية النظام في الحوار أو الإصلاح السياسي، وأنه سيكون شبيها بحوارات الطرشان التي كان يطلقها الرئيس الأسبق حسني مبارك، ويشارك فيها الموالون فقط، الذين يطبلون ويزمرون ويطالبون في نهاية الحوار بتمديد فترات حكمه التي امتدت ثلاثين عاما.
كما أن هناك فصائل المعارضة ـ التي لم تدع للمشاركة من الأصل ـ ولكنهم أبدوا ترحيبهم بالحوار، مع وضع شروط تعجيزية مسبقة، مثل إطلاق سراح كافة المسجونين السياسيين؛ أيا كانت الجرائم التي اقترفوها أو التهم الموجهة إليهم، أو الأحكام القضائية الصادرة بحقهم.
وهناك تيار ثالث عاقل، أكثر واقعية، يرى أن مصر مرت بفترة عصيبة، واجهت فيها الدولة المصرية حالة من الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، وموجات متلاحقة من الإرهاب الأسود، وكان لا بد من مرحلة انتقالية، تعيد فيها الدولة بناء مؤسساتها، وفي نفس الوقت تواجه وتحارب الإرهاب، وتعيد الأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن، وتوفير المناخ الملائم لإعادة عجلة التنمية والإنتاج التي توقفت تقريبا منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011م.
وكان من الطبيعي أن يتخذ النظام الحاكم إجراءات استثنائية خلال هذه الفترة، تتصادم أحيانا مع حقوق الإنسان، ولا تحتمل وجود تجاذبات حزبية، ويحسب للسيسي أنه استطاع إلى حد بعيد العبور بمصر هذه المرحلة الصعبة بأقل الخسائر، واستطاع إعادة الأمن والاستقرار، وإطلاق برنامج إصلاح اقتصادي، استطاع بفضله حل مشكلات الكهرباء والبنية الأساسية، وتحولت مصر من مستورد للغاز والنفط، إلى مصدر رئيسي للطاقة، بعدما نجح في استعادة الشركات العالمية لمصر للتنقيب واستكشاف الغاز، بعد سداد مديونياتها السابقة.
هؤلاء العقلاء يرون أن توقيت إطلاق الحوار جاء منطقيا ومناسبا؛ حيث المناخ في مصر الآن أصبح مواتيا، لفسح المجال السياسي، وتوسيع هامش الحريات وإزالة العراقيل أمام أصحاب الرأي الآخر، وأن مصر كبيرة ومشاكلها متعددة، أكبر من أن يقدر نظام أو رئيس أو تيار أن يواجهها أو يتصدى لها بمفرده، وإنما تحتاج لمشاركة كافة الآراء والتجارب والخبرات، وكما قال السيسي: الوطن يتسع للجميع، والاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية.
وأول مقتضيات جدية الحوار هو الاعتراف بأن هناك أزمة تستدعي الحوار من أجلها، وتحتاج ما تمتلكه مصر من مخزون خبرات وكفاءات سياسية واقتصادية وفكرية، للنظر في أسباب وطرق مواجهتها، وإعادة النظر في السياسات والأولويات التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الماضية، والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة في ملفات العدالة الاجتماعية، وزيادة فرص العمل وتقليل نسب الفقر، والصناعة والزراعة وزيادة الإنتاج وعلاج الخلل في الميزان التجاري بزيادة الصادرات وتقليل الاستيراد، وسد الفجوة التمويلية دون التوسع في الديون والاقتراض الخارجي، وعدم تحميل الطبقات المتوسطة والفقيرة مزيدا من الأعباء الضريبية.