د. سعدون بن حسين الحمداني
تعد القيادة الرشيقة من المفاهيم الإدارية التي ظهرت حديثًا في ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأ علماء وخبراء الإدارة بوضع اللمسات الأخيرة على نظرياتهم والتي أثبت التفوق على مفاهيم الإدارة السابقة والقديمة.
اعتمدت القيادة الرشيقة على مبدأ القائد الرشيق وهو (الذي يمتلك خبرات مهنية وأكاديمية ورؤية مستقبلية للأهداف التي يسعى لتحقيقها بأقل عدد من الموظفين وأقل موارد مالية)، وليس تكديس موظفين في دائرة ليس لديهم أي مقترحات لتطوير العمل، وبالتالي يتحول العمل من إنتاجية كبيرة إلى عبء على الدائرة أو الجهة المسؤولة ومالية الدولة.
ومثال بسيط لعنوان المقال، وهو الماء الذي يتكون من اتحاد ذرة من الأوكسجين وذرتين من الهيدروجين وصيغته الكيميائية تكتب على شكل (H2O) وهي ثلاثة عناصر مهمة، وعناصر القيادة الرشيقة أيضًا بنيت على ثلاثة مفاهيم لا يمكن الاستغناء عنها، وذلك إذا أردنا أن نبني مجتمعًا راقيًا بكل معنى الكلمة وهي:(الإدارة الرشيقة، الخبرة المهنية الأكاديمية، ودبلوماسية الإتيكيت)، هي مهمة جدًّا لحياتنا اليومية، حالُها حال الطب والهندسة وبقية العلوم وهذه العناصر تبدأ من العائلة أولًا، وليس بالمعنى المتعارف عليه فقط لكبار الشخصيات على مستوى الدولة من الملوك والسلاطين والأمراء، وهي الآن أحد أقسام الدبلوماسية الحديثة؛ لأن تكديس موظفين في مقر سفارة أو دائرة قد يكون له مساوئ وسلبيات أكثر من الإيجابيات المرجوة من هرم الدائرة، هناك النظرية التفاعلية والنظرية المعرفية المعتمدة على العناصر الثلاثة في أعلاه.
ولأن الموظف يُمثِّل الأخلاق قبل الإدارة والقيادة، حيث يستلم الأوامر من مديره المباشر، ويكون هو المسؤول الأول والأخير في تنفيذ ما أُوكل له من مهام، لذلك نرى الدول الأوروبية الغربية مهتمة بإدخال موظفيها قبل تعيينهم المعاهد الدبلوماسية المتخصصة في كيفية التعامل مع المواطنين لإنجاز معاملاتهم بطيبة قلب وسعة صدر، وابتسامة عريضة وصدق بالنتائج، وامتصاص للغضب والتشنج إن وجد لدى المقابل.
المدارس الدبلوماسية تركز على الإتيكيت أولًا، ثم القيادة ثانيًا، وتضع البروتوكول، وهو التنظيم، ثالثًا وذلك حسب الأهمية في إنجاز ما يؤكل للموظف.
ومن أهم هذه الصفات والركائز التي تدرس في المعاهد الدبلوماسية لمفهوم القائد والقيادة الرشيقة وفن الإتيكيت هي: استقبل يومك برحابة صدر وتفاؤل كبير، اِرْمِ المشاكل الشخصية خلفك عندما تجلس على طاولة وظيفتك، ملابسك يجب أن تكون في غاية البساطة والألوان الفاتحة والنهارية الأنيقة، ابتعد عن هاتفك الشخصي والمواعيد الشخصية أثناء العمل؛ لأن هذا سرقة للوقت من الدائرة التي تعطيك راتبًا على ساعات دوامك، عنوانك اليومي هو الابتسامة البسيطة الهادئة المرحبة بالجميع من أصغر موظف إلى أكبرهم درجة، الابتعاد عن الكبرياء والغرور مع الجميع مهما بلغت من درجة وظيفية أو منصب أو خبرة، تجاوب مع الجميع بروح الأخوة والتواضع والمحبة، ابتعد عن انتقاد صديقك في الوظيفة في الأمور الصغيرة والكبيرة، أنجز ما يوكل إليك من مهام بكل تفهم وعقلانية، أن تكون نبرة الصوت في غاية الهدوء مع الجميع وعدم الانفعال مهما كانت العوائق؛ لأن ذلك يذهب ويطيح باحترامك، الابتعاد عن المزح والنكات والضحك بصوت عالٍ، الابتعاد عن لبس الذهب أو الجواهر أو أية إكسسوارات والتباهي بها أمام الآخرين، عدم الابتذال بالمكياج؛ لأنكِ لستِ في حفلة خاصة أو ديسكو، الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف المحددة، الاهتمام ثم الاهتمام بالمراجعين والمواطنين في السلك الخدمي من الدوائر بأرقى أنواع الهدوء والاحترام مهما كان الشخص غنيًّا أو فقيرًا عالي المنصب أو بدون، التواضع في التعامل أساس النجاح، التسابق في خدمة الجميع برحابة صدر وهدوء أعصاب.
هذه أغلب النقاط الجوهرية في عناصر القائد والقيادة الرشيقة ودبلوماسية الإتيكيت للموظف والمنصب، ولا نريد أن نخوض في صفات القيادة الإدارية أو صفات القائد؛ لأنها تنصبُّ في باب آخر من الدبلوماسية المكتبية، لذلك على الموظف أن يكون قائدًا بمعنى الكلمة من حيث الشخصية الرصينة والتصرف الصحيح والالتزام بهذه الصفات الثلاث، ولا يكون موظفًا هزيلًا ضعيف الشخصية من حيث التصرف وارتداء ملابس غير لائقة ولا ملائمة للدوام الصباحي أو المسائي، لذلك عليه أن يكون دبلوماسيًّا راقيًا في التودُّد بكل عناية وصدق وحب للآخرين.
وكان القرآن الكريم سبَّاقًا في وضع هذه الأسس والقواعد لجميع شرائح المجتمع من أجل النهوض به إلى قمة الهرم الاجتماعي الأخلاقي، فقال تعالى:(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء ـ 37)، وقال عزَّ من قائل:(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) )لقمان ـ 18) وهي صفة التواضع وعدم الكبرياء، وهي أفضل صفات القائد في القيادة الرشيقة.
وفي الختام على الموظف وإدارته وقيادته بصورة خاصة أن يكونوا دبلوماسيين بارعين مع الجميع في التقيد بصفات الدبلوماسية الناجحة والأخلاق الحميدة من حيث أسلوب البروتوكول والتحضير لإنجاز الواجب والاتفاق مع الإدارة بتوفير أنواع وسائل الاتصال الحديثة، وأن يكونوا في غاية الإتيكيت (السلوك المُهذّب) في التعامل بأقل الأدوات والمصاريف ـ كما ورد آنفًا ـ ليصلوا إلى مستوى القيادة المرغوبة من قبل الجميع وخصوصًا الموطنين ولغرض النهوض بالمجتمع لأعلى درجاته.