ناصر بن سالم اليحمدي
تلقَّت الأمة العربية والإسلامية ببالغ الأسى والحزن خبر وفاة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية الشقيقة الذي وافته المنية مؤخرا تاركا جرحا في نفس كل عربي، حيث كان له ـ رحمه الله ـ بصمة واضحة وحضور مميز على الساحة العربية والعالمية ورؤية ثاقبة في حل الكثير من المشاكل العربية الملتهبة.. ولِمَ لا؟ وقد استقى حُسن الإدارة والقيادة والحكمة والتجربة من والده ومعلِّمه الأول الشيخ زايد بن سلطان ـ رحمه الله ـ مؤسس الدولة الحديثة.
لقد استطاع الشيخ خليفة ـ رحمه الله ـ أن يحقق لبلاده الكثير من الإنجازات التنموية الشاخصة للأبصار على كافة القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والنقل والمواصلات والاجتماعية والصناعية والزراعية، وغيرها والتي تخطت سقف الأهداف التنموية المرسومة.. فقد واصل المسيرة المباركة التي بدأها والده الراحل منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي وتحديدا عام 1971م فكان خير خلف لخير سلف، حيث سعى لتحويل كل شبر بالإمارات لكي يكون نموذجا فريدا من الناحية الاقتصادية والعمرانية والمعيشية حتى أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة تتميز بأنها تحقق دائما قصب السبق في إنجاز المشاريع الاستراتيجية التي تخدم الدولة، وتضيف لها رصيدا من الإنجازات التي تدفعها نحو التقدم والتطور والنهضة والتنمية المستدامة الشاملة مع المحافظة في نفس الوقت على تراثها التليد وحضارتها الأصيلة.
لا ينكر أحد ما شهدته دولة الإمارات الشقيقة خلال سنوات نهضتها الأخيرة من نقلة تنموية هائلة حققت من خلالها الكثير من الإنجازات في كافة المجالات وأصبحت نموذجا لكثير من دول العالم في الحكمة والمثابرة والإخلاص في العمل ومراعاة مصلحة المواطن والحرص على توفير العيش الكريم له وتحسين أوضاعه المعيشية وتحقيق الاستقرار والطمأنينة له إيمانا من الحكومة الرشيدة بأن ذلك ينعكس بشكل مباشر في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعلو بشأن المجتمع الإماراتي ويرفع راية البلاد خفاقة.. فالإنجازات والنهضة الشاملة التي حققتها الشقيقة الإمارات وما يعيشه الشعب الإماراتي من رضا وأمن وأمان ورخاء إنما هو نتيجة سياسة حكيمة ورؤية ثاقبة للمُضي نحو مستقبل مشرق وإرادة قوية واجهت التحدِّيات بفكر مستنير ونهج قيادي متميز، خصوصا أن محور هذه السياسة هو الإنسان الإماراتي الذي حرصت على الارتقاء بمعيشته وحالته الاقتصادية والاجتماعية.
لا شك أن الإرث الذي وصل إلى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الحاكم الجديد للشقيقة الإمارات ثقيل والمسؤولية الملقاة على كاهله كبيرة.. فالعالم يموج بالمشاكل والمنطقة بها الكثير من الملفات الساخنة المفتوحة التي تحتاج إلى حكمة في التعامل معها.. كما أن التحدِّيات الأمنية والاقتصادية والسياسية كثيرة، ولكننا على ثقة بأنه سوف يعالجها بكل اقتدار ذلك أن خبرته في مجال الإدارة والحكم كبيرة، فهو ابن القصر الحاكم وسيستطيع أن يكمل المسيرة الظافرة ليحقق لشعبه وبلده المزيد من الازدهار والتطور والرخاء.
إن مصابنا في الشيخ خليفة لا يخففه سوى تولي الشيخ محمد مقاليد الحكم في بلاده.. فهذه الإدارة الحكيمة تعطينا الثقة في أن الإمارات سوف تظل ـ كما عهدناها دائما ـ ذات مكانة مرموقة خليجيا وعربيا ودوليا، وندعو الله أن يوفق الله الحاكم الجديد للأخذ بيد بلاده نحو المزيد من التقدم والازدهار وبما يعود على الشعب الإماراتي والشعوب العربية جميعا بالخير والنماء والأمن والاستقرار.
رحم الله الشيخ خليفة وأسكنه فسيح جناته.. و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
* * *
الندوة التي نظمتها مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية ودار الكلمة الطيبة بجامعة السُّلطان قابوس وبحضور سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة تتناول موضوعا شائكا ولكنه يعد من مقتضيات العصر ومن المشكلات التي يجب ألا تغض الدول الطرف عنها.. فقضية "الإلحاد وحقيقة التوحيد" التي تدور حولها الندوة أصبحت من القضايا التي تشغل بال الشباب في عصرنا الحديث.. فما يحدث على الساحة العربية أصاب الشباب بالحيرة، بل من الممكن أن نصفه بأنه تائه لا يعرف إلى أين يتجه.. ففي الوقت الذي تروج فيه بعض الجماعات للفكر المتشدد الذي يُمثِّل من وجهة نظرهم صحيح الدين ويحاولون استقطاب الشباب لتبني مبادئهم بحجة أنها طريقهم إلى الجنة بينما فيما عداها جهنم وبئس المصير.. نجد أن هناك تيارا معاكسا يدفع الشباب للتحرر وتقليد الغرب والانغماس في رفاهية التكنولوجيا الحديثة وما تحمله من غربة عن مجتمعاتهم.. بينما هناك تيار ثالث كفر بالتيارين السابقين واتجه إلى الإلحاد والتخلي عن أي مبادئ وهي ظاهرة، وإن كانت تعد قليلة، إلا أنها بدأت تستشري بصورة متنامية في مجتمعاتنا العربية.
السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي دفع الشباب إلى الضلال والبُعد عن الدين الصحيح؟
لا شك أن تغير الخريطة السياسية في بعض دولنا العربية والنمو الاقتصادي البطيء أدى إلى ظهور مثل هذه التناقضات بين الشباب.. خصوصا مع تصاعد ما أطلق عليه بالإسلام السياسي الذي أدى رفضه من المجتمعات لانتشار التشدد، بل وتكفير المجتمع ككل وعبر أصحاب هذه الجماعات المتطرفة عن أفكارهم بصورة وحشية وعن طريق الترهيب والذبح متخذة من الإسلام ستارا وهو منها براء.. فتشوهت الصورة السمحة للدين القيِّم في نظر الشباب، ونفروا منه واتجهوا للتيارات الأخرى التي تبعدهم عنه.
لا شك أن ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية من أفكار متطرفة وغريبة عليها إنما هو مخطط يريد ضرب الإسلام في مقتل والنيل من عقول الشباب عماد الأمة ومستقبلها.. فلا التطرف ولا الإلحاد يعبِّران عن مبادئ الدين الصحيح.
إننا بحاجة للبُعد عن التشدد في الخطاب الديني الذي يقلب الموازين والصور.. فالدين لم يدع في يوم من الأيام إلى العنف أو انتهاك حقوق الإنسان، بل منذ أن أنزله الله على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.. فإن لم يقتنع الآخر "فلكم دينكم ولي دين" ويجب أن يتعايش المسلم مع مجتمعه أيا كانت ديانته وتوجُّهاته بالسلم والمودة والتسامح.. وإذا قدم المسلم الصورة الحقيقية لدينه الحنيف وكان السفير المشرف له سوف يجذب إليه الآخر أكثر من التعصب والتشدد.
إن مواجهة الأفكار المتطرفة والإلحاد باتت ضرورة.. فالشباب حائر بين هذا وذاك؛ لأنه قليل الاطلاع وبالتالي يصبح فريسة سهلة للتيارات المختلفة تتقاذفه دون معرفة منه أو علم وإقناعه بأفكار وهمية ومريضة تتسبب في اعتلال المجتمع ككل.
يجب على الحكومات العربية التواصل مع قطاعات الشباب واحتواؤهم وعدم تركهم فريسة لمواقع التواصل الاجتماعي التي تهدم أفكاره وتقوض مبادئه وتمحو معتقداته الأصيلة.. وعلى الهيئات الدينية تطوير وسائلها الدعوية حتى تصل إلى قطاعات كبيرة من الشباب فتعيد لهم التوازن الروحي عن طريق تقوية إيمانهم وتحصين عقائدهم وتوضيح الصورة الحقيقية للدين الحنيف بطريقة راقية والتحاور بالحسنى معهم، وتفنيد كافة المفاهيم الخاطئة التي يبثها أعداء الدين في عقولهم.