عادل سعد:
أتاح إتمام الانتخابات اللبنانية الفرصة لأنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة أن يستخدم لغة الثقة والاطمئنان والأمل من خلال تهنئته لبنان بهذا الإنجاز السياسي الدستوري الذي طبخ على نار حامية.
لقد قدمت هذه الانتخابات لجوتيريش فرصة الخروج من متواليات القلق والشكوى وتسطير المخاوف والتعبير عن خيبات الأمل التي تتصدر كل المواقف التي دأبَ عليها إزاء ردود فعل لما يجري من ويلات في هذا العالم، لكن هذه الانتخابات بنتائجها المعلنة قد لا توفر ذات الفرصة من التفاؤل للبنانيين أنفسهم، إذ لم يضعوا باعتبارهم التخلص من نزعات المغالبة والتصيد وعروض القوة وتسجيل المواقف المبنية على ادعاء الأهمية على حساب الآخر.
نتائج الانتخابات اللبنانية وإن أسفرت عن متغيرٍ جزئي لصالح أطراف سياسية بعَيْنها، فإنها في واقع الحال لم ترقَ إلى التغيير المريح لصالح أغلبية برلمانية يمكن من خلالها تمرير أجندة الفائزين. وعليه، فإن التعاطي المضمون للخروج بالبلد من الاختناقات السياسية والاقتصادية التي تكبله الآن لن تكون رهان أغلبية برلمانية لصالح هذا الطرف أو ذاك، بل من خلال التوافق على الأسبقيات التي تتيح التصدي لقائمة مستعصيات بنكية معقدة وغلاء معيشة فاحش، وبطالة، وتراجع مريع في قيمة الليرة اللبنانية، واستحقاقات ملغومة ما زالت معلقة على الوصول إلى اتفاق مع الإسرائيليين لتقاسم الجرف البحري النفطي الذي يضمن للبنان السيادة على حقوقه الكاملة بموجب القانون الدولي، وهو الأمر الذي يمكن من خلاله للبنانيين إنعاش بعض اقتصادهم ولو بانتظارٍ إلى حين.
أعتقد بيقين قاطع أن ربط لبنان بمعادلات الغالب والمغلوب سياسيًّا وتكريس اقتصاد الخدمات فحسب، وتبويب الاستحقاقات على الريع الداعم من هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، والرهان فحسب على (إحسان) منتظر من صندوق النقد الدولي، والاطمئنان إلى احتمال تجاوب إسرائيلي مجاني، أن كل ذلك لن يضع بيد اللبنانيين الفرصة لحل إشكاليات بلادهم.
الحل أن ينتبهوا إلى داخلهم بروح التضامن والكف عن تحميل الزمن الراهن ما آلت إليه العيوب التي تضرب بلدهم، وأن يحسموا أمرهم نحو ائتمان سياسي تضامني ينأى عن فضاء الولائم ويتجه بصدق نحو فضيلة الرغيف المشترك. وإذا كانت كل تلك الاستحقاقات بحاجة ماسَّة إلى جهد مضنٍ مشترك وبنيات حسنة يتفق عليه كل الذين حصلوا على مقاعد البرلمان اللبناني فإن الاختبارات الأقرب التي ينبغي أن لا تأخذ المزيد من الوقت، التسويات بشأن رئاسة مجلس النواب، وإعادة تشكيل حكومة جديدة، وحسم انتخاب رئيس جمهورية خلفًا للرئيس الحالي ميشال عون الذي ستنتهي ولايته بعد عدة أشهر. وفي كل الأحوال، ينبغي أن لا تسقط من الأولويات التصدي للمعضلات الخدمية والاقتصادية، وإذا كان الشافعي قد أبعد التهمة عن الزمن في تحميله شجون عيوبنا (نعيب زماننا والعيب فينا)، فإن العيب اللبناني سيظل قائما أيضًا إذا لم يحسنوا التعامل ضمن طلتين اثنتين، الأولى برية في إصلاح العلاقة مع دمشق، والأخرى مع البحر في الإفادة العالمية من موقع هذا البلد العربي، والكف عن الترويج لتبادل الصفعات والمناكفات في بلد يحتاج أكثر من أي بلد آخر إلى نعمة التشرب بصوت فيروز.