مع ما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي من قمع وإرهاب ضد الشَّعب الفلسطيني الأعزل على أرض الواقع، ومع ما تقوم به من إجراءات غلق وهدم واقتحامات...إلخ تجعل الحياة اليومية لأبناء فلسطين صعبة وحبلى بالآلام والمعاناة، تخرج بتصريحات استفزازية تعمل على تأجيج الوضع، وتشعل الأجواء، وتظهر الرغبة المحمومة للكيان الغاصب في مواصلة ما يمارسه من أفعال إجرامية ضد القوانين والأعراف الإنسانية والدولية كافَّة، مثل تصريحات قادة جيش الاحتلال عن اغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، وقائد كتائب القسام محمد الضيف، وأنه ما زال خيارًا قائمًا، التي أوردتها قناة (كان) الإسرائيلية الرسمية نقلًا عن مصادر عسكرية رفيعة لَمْ تكشف عنها. وبالرغم من أنَّ التصريح جاء مغلفًا بتحذير من القادة العسكريين، وأنَّ عملية الاغتيال سيكون لها ردود فعل على الجانب الفلسطيني، فإنَّ الأغرب أنَّ تلك التصريحات خرجت ردًّا على دعوات نُوَّاب ومسؤولين سابقين وصحفيين إسرائيليين تدعو إلى اغتيال السنوار، ما يؤكِّد أنَّنا نتعامل مع كيان يتَّسم قادته السياسيون والاجتماعيون قَبل العسكريين بالعنصرية والرغبة في التصعيد.
إنَّ مِثل هذه الدعوات والتصريحات وغيرها مِثل دعوة منظمة (لاهافا) الاستيطانية إلى تفكيك قبَّة الصخرة وتدشين "الهيكل" المزعوم، في ساحات المسجد الأقصى، توضِّح، أمام أنفسنا وأمام العالم، أنَّ السلام الذي يدعو إليه العالم بعيد المنال، فالجانب الإسرائيلي تؤكِّد أفعاله أنَّ لا سلام يلوح في الأفق، وأنَّ قيادته بمختلف انتماءاتها تعمل على سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتعمل على ترسيخ الأمر الواقع، والضغط على الجانب الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازلات عبر الإرهاب الفعلي المتمثل في آلة القمع والإرهاب العسكرية، أو الإرهاب اللفظي، الذي يعكس ذهنية أصحاب القرار في دولة الاحتلال. فمجتمع دولة الاحتلال مجتمع يميني بامتياز، يسعى إلى أصوات المتطرفين والمستوطنين الذين يُشكِّلون غالبية مطلقة من مُكوِّنات هذه الدولة السكَّانية، فيومًا وراء يوم نجد دعوات تتَّسم بالشَّعبية داخل الكيان الغاصب تدعو للهدم أو القتل أو الاقتحام، ما يغلق الأبواب أمام أيِّ توجُّه نَحْوَ سلام عادل قائم على قرارات الشرعية الدولية، ويجعل الجانب الفلسطيني أمام خيارات أخرى للحصول على حقوقه السليبة.
ولعلَّ تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية التي حذَّر فيها الاحتلال الإسرائيلي من استئناف سياسة الاغتيالات بحقِّ قيادات المقاومة الفلسطينية، وما سيترتب على هذا التوجُّه العدواني من نتائج، خير برهان لِمَا ستفضي إليه هذه التصريحات والسياسات الإسرائيلية الخرقاء، التي تعصف بأمن المنطقة، وتضع الفلسطينيين أمام خيارات صعبة رغم شرعيتها، خصوصًا مع هذا التواطؤ العالمي، الذي يسارع بإدانة ردِّ الفعل الفلسطيني، ويظهر وجهه القبيح، لكنَّه يخرس ولا يدين دولة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها المتواصلة، رغم أنَّ الحقائق أثبتت أنَّنا أمام كيان عنصري، أغلب مواطنيه لا يرغبون في تحقيق السلام، بل يسعون إلى مشاركة قوَّاتهم المحتلة في عمليات القتل والسرقة والسلب والتخريب، والهجمات الاستيطانية خير شاهد على هذا التوجُّه داخل الكيان الغاصب.
إنَّ مواصلة الصَّمت العالمي وعدم وجود عقوبات رادعة على كُلِّ جرائم هذا الكيان، ستجعل من المنطقة والعالم ساحات للصراعات، التي سيدفع ثمنها الجميع، ومن الأهميَّة بمكان الضغط على كيان الاحتلال لإرساء دعائم سلام شامل، فأبناء فلسطين لَنْ يظلوا رهائن لدعوات سلام زائفة، تسرق من الأجيال المتلاحقة الحياة ذاتها، وتورث الأجيال القادمة وضعًا قائمًا تغيَّرت ملامحه، فَلْنستفِدْ من الرغبة الفلسطينية في السلام، ونجبر دولة الاحتلال على الرضوخ، قَبل أنْ ينفلت الزمام، ويصعب السيطرة عليه، فتصريحات دولة الاحتلال تؤشِّر إلى ما هو أصعب من ذلك.