هيثم العايدي:
تسلط المحاكمة المنعقدة ضد عدد من المنظمات غير الحكومية المتهمة بمساعدة عصابات تهريب المهاجرين الضوء على جانب آخر من جوانب حل الأزمات المتتالية للمهاجرين والتي منها فقدان الأرواح غرقا في البحر أو انتهاء بالمسار بهم في أوضاع معيشية أصعب من تلك التي تركوها في بلدانهم أو الاحتجاز في معسكرات وبأوضاع مأساوية بدول المقصد حتى أنه منذ عام 2014 لقي أكثر من 12000 شخص مصرعهم أو فقدوا على طريق الهجرة في المتوسط الذي تعد الأمم المتحدة الأخطر في العالم.
ووفقا لتقرير جمعية غير حكومية إسبانية، فإن عام 2021 شهد غرق 4400 شخص خلال عمليات الهجرة على متن القوارب من سواحل المغرب والجزائر وإفريقيا الغربية نحو سواحل إسبانيا لينضم إلى ذلك أعداد أخرى من المهاجرين من شرق المتوسط مسجلين مآسي متعددة، منها حادث غرق القارب الذي يحمل مهاجرين قبالة سواحل مدينة طرابلس اللبنانية.
ومع تحمل عصابات التهريب التي تدير عملية النقل عبر هذه القوارب المسؤولية الكاملة عن هذه الأرواح، خصوصا مع الوعود التي يقدمونها بسلامة الرحلة والتي تتم عبر مبالغ طائلة يتكبدها المهاجر ـ والذي يتحمل أيضا جزءا كبيرا من المسؤولية ـ كونه ألقى بحياته إلى المجهول ـ إلا أن هناك فئة أخرى يبدو أنها تتحمل جزءا كبيرا من هذا الوزر على الرغم من تشدقهم بالقِيَم والمبادئ.
وتأتي جلسة الاستماع التمهيدية التي عقدت السبت في صقلية بإيطاليا لتقرير ما إذا كانت ستجري محاكمة عدد من المنظمات غير الحكومية لتشير إلى اتهامات لعدد من هذه المنظمات ـ التي تقول إنها تعمل على إنقاذ مهاجرين في البحر المتوسط ـ بالتواطؤ مع مهربين حيث ستنظر الجلسات المقبلة في ملف معقد يتألف من نحو 30 ألف صفحة ومئات التسجيلات.
وفي هذه القضية يتم اتهام 21 مشتبهًا، من بينهم أفراد أطقم سفن منظمات غير حكومية، بـ"المساعدة والتحريض على الدخول غير القانوني إلى إيطاليا" في عامي 2016 و2017 حيث تُتهم هذه المنظمات بتنسيق أعمالها مع مهرّبين قرب الساحل الليبي، من خلال إعادة الزوارق والقوارب إليهم لإعادة استخدامها، وجمع أشخاص لم تكن حياتهم في خطر.
وهذا الاتهام الموجَّه لمنظمات تتخذ شعارات إنسانية ينبغي التحقيق فيه بعناية، خصوصا وأن خطاب هذه المنظمات، وإن كان يحمل بُعدا إنسانيا، يتمثل في تحسين معاملة المهاجرين وحمايتهم خلال مسار الرحلة ومساعدة البلدان التي تواجه موجات هجرة في دمج المهاجرين وعدم تجريم دخولهم دولا ذات سيادة بصورة غير شرعية.. فإن كل هذه المطالبات من جانب آخر تشجع على عمليات الهجرة وتجعل طريقها أسهل وتقلل من الإدانات الموجهة للمهاجرين.