د. عبدالله بن خلفان العزري:
كما ذكرنا في المقالات السابقة؛ بأن بناء وتخريج قدرات وطنية مؤهلة ومنافسة محليا ودوليا، وإكسابهم بالمهارات والقدرات والكفاءات وذلك بالتركيز على بناء تعليم شامل وتعلم مستدام، ويعد إحدى أولويات السلطنة وتوجُّهاتها الاستراتيجية لتلبية مستويات الإنتاجية والتنافسية المطلوبة لبناء اقتصاد معرفي ومتطور، ومواكبة للتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية.
ولتحقيق ذلك، أشرنا إلى إنشاء نظام معلومات استراتيجي ـ قاعدة بيانات مركزية ـ للمهارات الحالية والمستقبلية المطلوبة في سوق العمل محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا وأصبح ضرورة ملحَّة؛ وذلك للدور الذي يمكن أن يلعبه في الحدِّ من نقص المهارات والقدرات وعدم تطابقها مع احتياجات سوق العمل، من خلال تجميع وتوفير بيانات عن الاحتياجات الفعلية من المهارات الحالية والمستقبلية المطلوبة بسوق العمل المحلي، أو العالمي، والذي بدوره سيزيد من توفير فرص وظيفية وتدريبية للكوادر البشرية المؤهلة لتكون ذات مهارات وقدرات إنتاجية عالية في سوق العمل.
كما أن تجميع وتوفير البيانات الخاصة بالمهارات والقدرات المطلوبة في سوق العمل سيسهم وبشكل كبير في تمكين مؤسسات التعليم العالي لمواءمة البرامج التدريبية بالمهارات المطلوبة في مختلف القطاعات الاقتصادية بالسلطنة. فيُعد توفير فرص برامج التدريب (التدريب الداخلي والتدريب أثناء العمل) للطلبة أثناء دراستهم أو خلال مرحلة البحث عن عمل أمر في غاية الأهمية، فهو فرصة للطلبة لتوسيع معارفهم العلمية وتزويدهم بالخبرة العملية وصقلهم بالمهارات والقدرات المتعلقة بتخصصهم وربما وظائفهم المستقبلية، كما أنها تساعدهم في التعرف على طبيعة بيئة سوق العمل وتوظيفهم في بعض الأحيان. فالدولة أيضا ستستفيد في تخفيض أعداد الباحثين عن عمل وزيادة نسبة التعمين في القطاعات المختلفة.
إن الدراسات التي ناقشت أهمية برامج التدريب الداخلية والتدريب أثناء العمل للطلبة والخريجين والباحثين عن عمل، أشارت إلى أن التدريب يعد جسر وجواز عبور للخريجين من المؤسسات التعليمية إلى سوق العمل، كما أنها تساعد على صنع قوة بشرية عاملة منتجة. بالإضافة إلى أن أهميتها تكمن في التعلم القائم على العمل للبحث عن وظيفة في المستقبل وأداء الأدوار الإدارية بفعالية في مكان العمل الحقيقي، فتجربة العمل لها أثر إيجابي على تفضيل أصحاب العمل عند التوظيف؛ لأنها تعطي الأولوية لأولئك الخريجين الذين يمتلكون الخبرة العملية وذات صلة بالميدان العملي وعلى دراية باحتياجات بيئة العمل، كما أن لها قيمة في تقليل تكاليف التدريب لإعداد الخريجين لحياتهم المهنية، فالدراسات التي أجريت بين أرباب العمل في المملكة المتحدة وأستراليا وسلوفينيا ورومانيا أجمعت على أهمية الخبرة العملية السابقة للخريجين ككفاءة أساسية في البحث عن وظيفة في سوق العمل، وحثوا على ضرورة قيام مؤسسات التعليم العالي بتضمين عدد مناسب من ساعات التدريب العملي في مناهجهم الدراسية وبناء علاقات مع أصحاب العمل في القطاعات المختلفة.
فالخبرة المتعلقة بالعمل تحظى بتقدير كبير من قبل أرباب العمل في عملية التوظيف، حيث يبحثون دائمًا عن هؤلاء الخريجين الذين شاركوا في برامج التدريب الداخلي والخارجية، والتي غالبا ما تساعدهم على ممارسة المهارات المختلفة في مجالات متعددة مثل الاتصال الشفوي والكتابي، واتخاذ القرار، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، والقيادة، والتخطيط وغيرها. بالإضافة إلى أن إشراك سياق العمل الحقيقي يعد أحد العوامل الرئيسية في إنتاج طلبة وخريجين جامعيين أكفاء للدخول إلى مكان العمل؛ لأنه يساعدهم على دمج النظرية مع الممارسة في مهنتهم المختارة وممارسة مسؤوليات الوظيفة الحقيقية.
ومن ضمن التوصيات التي تم إدراجها في دراستنا لمؤهل الدكتوراه مصطلح "التمهير" لتكون سياسة وطنية تأخذ في الاعتبار وبشكل أساسي تحسين المهارات والقدرات الشخصية والمهنية للطلبة والباحثين عن عمل والتي تؤهلهم للحصول على فرص وظيفية تتناسب وتخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية.
ختامًا، على جميع الأطراف ذات العلاقة العمل معًا لتحقيق هذا التوجُّه الاستراتيجي من خلال التخطيط لبرامج واستراتيجيات تدريبية مختلفة شاملة كل النواحي الاقتصادية لرفد القطاع الخاص بكوادر ذات كفاءة عالية، وقادرة عن مواجهة التحديات المتغيرة في سوق العمل، كما أن على القطاع الخاص رسم السياسات الخاصة بتدريب الطلبة والخريجين واعتبارها ركيزة أساسية في مؤسساته المختلفة لإعطاء المتدرب حقه في الاستفادة القصوى من الخبرة العملية، واكتساب المهارات والقدرات ذات العلاقة بمجال تخصصه، أما بالنسبة للمتدرب، فعليه التركيز واعتبار برنامج التدريب فرصة حقيقية لبناء مهارات وقدراته ومدخلا للحصول على فرصة وظيفية له.