أحمد صبري:
تزامنا مع الأزمة السياسية التي يعيشها العراق وعجز أطرافها على مخرج للحل يجنب العراق المزيد من الكوارث، تصاعدت حملة ملاحقة المتاجرين بقوت الشعب بعد اكتشاف شحنات غذائية مستوردة فاسدة وغير صالحة للاستهلاك. وهذه الواقعة تفتح ملف الفساد في قطاع كان وما زال مسؤولا عن سلة الغذاء للعراقيين، الأمر الذي يستدعي من القائمين عليه ملاحقة المفسدين والمتاجرين بهذه السلعة التغذوية.
لقد شهد هذا القطاع تغوُّل مجموعة من العابثين بقوت الشعب الذين احتموا خلف مراكز قوى وفَّرت لهم الحماية والحصانة من الملاحقة كان المتضرر الوحيد هو المواطن وحاجاته الحياتية.
وحتى لا نستغرق بالتفاصيل فإن فتح ملف الفساد ومتابعة حقيقة العقود التي تبرم مع الشركات المجهزة أصبح ضرورة؛ لأنها تحمي المواطن من وصول الغذاء الفاسد إليه، وأيضا كشف مافيات الاتجار بصحة المواطن الذي يعاني من رداءة سلة غذاء غير صحية ومفرداتها التي لا تلبي حاجاته الحياتية.
وحتى تأخذ الحملة على الفاسدين مدياتها، ينبغي أن يصار إلى سن قانون اجتثاث الفساد في جميع القطاعات التي تسلل إليها تجار الفساد وحماتهم؛ لكشف المسكوت عنه طيلة السنوات الماضية حماية للمواطن وأيضا للأموال العراقية من مبددي المال العام والعابثين به.
وإذا كان قانون اجتثاث الفساد حاجة ملحَّة لوقف هدر المال العام وحمايته من السراق والمفسدين، فإن تجريم وملاحقة من يتاجر بقوت الشعب هو الآخر أصبح مهمة وطنية ينبغي على مجلس النواب أن يشرع القانون المذكور.
وعندما نشير إلى مخاطر العبث في صحة المواطن وغذائه وأهمية منع وصول الغذاء الفاسد إليه كما جرى في صفقات فاسدة، وإحالة المتهمين فيها إلى القضاء فإننا نتوقف عند مفردات البطاقة التموينية التي تراجعت كثيرا كمًّا ونوعًا وأثَّرت على طبقة مهمة من شعبنا كانت البطاقة خير مُعين لها لمواجهة تداعيات العوز والحاجة.
لقد آن الأوان لرفع الغطاء عن المفسدين وتجار الأزمات والحروب الذين حولوا العراق إلى بلد منكوب يعاني أزمات في مجالات الصحة والأمن والاستقرار، الذي يستدعي وقفة جادَّة للحريصين على مستقبل العراق وأمنه وصحة أبنائه للمحافظة على ثروته المنهوبة لتكريسها لسعادة العراقيين ورفاهيتهم، وليس ذهابها إلى جيوب الفاسدين والمتاجرين بقوت الشعب.
من هنا تكمن أهمية استصدار قانون اجتثاث الفساد الذي بات يتقدم على سواه من قوانين؛ لأنه سينزع الغطاء عن وجوه كانت وما زالت تتاجر وتتمرس خلف حيتان السياسة التي لم تكتفِ باستغلال السلطة لمصالحها الذاتية، وإنما وفَّرت الحماية والحصانة للمفسدين للمتاجرة بقوت الشعب.
فأزمة الغذاء تتقدم على سواها من أزمات؛ لأنها مرتبطة بصحة المواطن وديمومة حياته، ومهما حاولت القوى السياسية القفز على هذه الأزمة فإنها ستبقى المعيار الحقيقي لمصداقية موقفها وجديتها في الحفاظ على صحة المواطن، وليس البحث عن مخرجات توافقية لتجاوز جدار الانسداد السياسي الذي يتخبط به العراق.