د. يوسف بن علي المُلَّا:
نتابع جميعا ولوقت قريب موضوع تفشِّي مرض جدري القرود في أوروبا، وهو مرض فيروسي نادر، ولكنه قد يكون شديدا مع عشرات الحالات المؤكدة أو المشتبه بها في المملكة المتحدة وإسبانيا والبرتغال. وبشكل ما يُعد الفيروس الموجود وراء جدري القرود قريبا جدا للفيروس الذي تسبب في الإصابة بجدري الماء ولكنه أقل فتكا وأقل قابلية للانتقال، وقد يسبب أعراضا تشمل الحمى والطفح الجلدي. بالواقع هذا النوع من الأوبئة مستوطن في غرب ووسط إفريقيا، حيث تم اكتشافه لأول مرة في قرود المختبرات في عام ١٩٥٨، ومن هنا جاءت تسميته! ولكن ربما تكون الحيوانات البرية التي تأوي الفيروس من القوارض أيضا.
من ناحية أخرى فإن حالات تفشِّي جدري القردة هذه فريدة أيضا؛ لأنها ـ وان استطعت القول ـ تحدث في السنة الثالثة من جائحة كورونا، لا سيما وأن الناس والمجتمعات أضحت مهيأة لتكون أكثر وعيا بتفشِّي المرض. وهنا فإن جدري القرود يُعد اختبارا للدروس التي تعلمها العالم (أو لم يتعلمها!) من جائحة كورونا (كوفيد-١٩). ولكي أكون واضحا، فإن جدري القرود ليس كمرض جائحة كورونا، بل إنه مرض مختلف تسببه فيروسات مختلفة بخصائص مختلفة. وبالتالي وحسب دراسات سابقة فهو لا ينتشر بسهولة، ولا ينتشر عبر الهواء لمسافات طويلة. والأقرب أنه ينتقل عبر الأسطح الملوثة أو القرب الطويل من الأشخاص الآخرين، وهذا هو السبب في أن معظم حالات تفشِّي المرض كانت صغيرة.
بطبيعة الحال، فإن هنالك لقاحا واحدا ضد جدري الماء قد يكون أيضا فعالا في الوقاية من جدري القرود وبنسبة عالية. وعلى الرغم من ذلك فإن مرضى جدري القرود عادة ما يتلقون رعاية أولية فقط، إلا أن هناك علاجا محتملا وموجودا وقد تم تطويره يطلق عليه (تيكوفيريمات) لعلاج الجدري على سبيل المثال، من المحتمل أن يعمل مع جدري القرود أيضا!
وهنا يجب أن أؤكد أن جدري القرود قد لا ينتشر بالطريقة التي حدث بها فيروس كورونا، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يصابون به، فإنه يظل مرضا شديدا. فإذا مرض أحد الأشخاص، فغالبا ما يمرض لمدَّة أسبوعين إلى أربعة أسابيع. لذلك من الضروري تحديد الأشخاص مبكرا والحصول على العلاج وتحديد جهات الاتصال، خصوصا وأن الأعراض الشائعة: قد تكون ظهور طفح جلدي يبدو وكأنه نسخة متطرفة من جدري الماء. ولكن على عكس جدري الماء، عادةً ما يسبق الطفح الجلدي لجدري القرود حمى.
من جانب آخر ومما يثير الفضول هنا بأن فترة الحضانة بين العدوى والأعراض طويلة لجدري القرود، تتراوح من خمسة إلى ٢١ يوما، ومن غير المألوف رؤية هذا العدد من الحالات في أكثر من ثلاث دول في نفس الوقت؟!
صحيح أنه ظهرت العديد من الحالات الحالية لجدري القرود في الرجال الذين يعدون مثليين، أو رجال يمارسون الجنس مع رجال، وهو حقيقة نمط غير معتاد لم تقابله دراسات سابقة أو نسمع عنه في حالات تفشِّي مرض جدري القرود السابقة. فهل يثير ذلك تساؤلات حول طريقة جديدة للانتقال، خصوصا وأن الجنس هنا ينطوي على اتصال قريب ولفترة طويلة؟!
ختاما، قد يستمر كشف المزيد من الحالات خلال الفترة القادمة، لا سيما وأن الإصابات الحالية لعلَّها كانت نتيجة تجمع تلك الأفواج الكبيرة من الناس مؤخرا في حدث كبير كالذي سمعنا عنه، ونقلهم للفيروس إلى بلدانهم أو أنه كان منتشرا سابقا دون أن يدركه أحد، ثم وخلال ذلك التجمع أو الحفل صارت العدوى. الأهم أنه لن يكون مماثلا ـ إن شاء الله ـ للوضع الذي عشناه مع جائحة كورونا. ولعلَّ أفضل ما يجب القيام به الآن هو التأكد من أن المجتمع بات على دراية بما يبدو عليه جدري القرود.