خطاطون عمانيون: الخط العربي منجز يفاخر به المسلمون


مسقط ــ العُمانية: في نهاية العام المنصرم، نجحت 16 دولة عربية منها السلطنة بالتنسيق فيما بينها في تسجيل الخط العربي على قوائم الصون العاجل للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو، وأدرجت في تراثها غير المادي الخط العربي الذي يُشكّل رمزا ثقافيا أساسيا في العالمين العربي والإسلامي، في تصنيف يتيح الحفاظ على تراث يكون في كثير من الأحيان مهدّدًا.
وفي هذا الشأن وعموميات الخط العربي تظهر جملة من التساؤلات حول كيفية استطاعة الخطاط العربي إيصال روح وفكرة العربي للناطقين بغير العربية وإسهام الخط العربي في الحفاظ على اللغة وتقديمها للعالم بصورة أجمل، وما إذا كان الخط العربي لا يزال يقف على أرض صلبة، في ظل التقدم التكنولوجي وتولي الحاسب الآلي مهمة تنفيذ أشكال وأنماط الخطوط العربية.
في بداية الحديث يقول الخطاط صالح الشكيري: بعد دراسات مطولة للحرف العربي اكتشف العلماء أن الحروف خاضعة لحركة مستمرة صعودا وهبوطا ميلانا واتساعا، انحناء واستدارة وهذا هو المحور الذي جعل الخط العربي يتطور إلى أنواعه المعروفة، وذلك الذي هيأ للخط العربي حياة كاملة من النمو عبرالزمن إلى أن أصبح عالمًا خاصّا له مكوناته الجمالية والفنية.
ويضيف الشكيري: إن نقطة البداية للخط العربي هي كتابة القرآن الكريم بعد نزوله على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جُمع المصحف الشريف في عهد الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه فمن هنا ولدت للخط وظيفة لم تكن تحظى بالأهمية الوافية بعدُ، إذ إن الاهتمام بتحسين صور الكتابة وأشكالها بدأ بعد عصرصدر الإسلام بناء على أن الخط الذي يكتب به ينقسم إلى جاف ولين وبعد ذلك أصبح الجاف نواة للخط الكوفي واللين نواة لخط النسخ.
ويؤكد الشكيري على أن الخط العربي نوع من الإنجازات التي يفتخر بها المسلمون ويقدمها إلى الشعوب المختلفة بثقافاتها دون الالتفات إلى ما تنتسب إليه تلك الشعوب المتباينة وإنما يجمعها على الإعجاب بالخط العربي ما تلمسه من الفن الذي يسري في تشكيله وطريقة تكوين رموزه. وفي الوقت ذاته يمكن الإشارة إلى أن إبداع بعض المتميزين من غير العرب في هذا الفن لم يكن إلادليل على شموليته واتساع إمكاناته وكثافة محتواه الفني.
وللخطاط سامي بن زين الغاوي رؤية حول ما جاء من تساؤلات فيقول: إن الحروف العربية أجمل حروف الدنيا على الإطلاق، لا تضاهيها حروف في أي لغة أخرى، فهي جميلة بذاتها في مفرداتها واتصالاتها وقابليتها للتطويع ومرونتها اللامتناهية. ويشير الغاوي إلى ما نشاهده من تنوع وتعدد لأنواع الخطوط العربية ما هو إلا دليل على ذلك، واستلهم الخطاط من هذه الحروف وبنى عليها واستنبط أشكالا عديدة للحرف الواحد بمفرده، وكذلك لاتصالات الحروف ببعضها في جميع أنواع الخطوط العربية المعروفة حاليا، وليس من الغريب أن الناطق بغير اللغة العربية ينبهر بجمال الحرف العربي عندما يراه متجسدا في تكوينات وتركيبات بديعة استلهمها الخطاط وتبناها في لوحاته.
ولا تبتعد الخطاطة أنوار الحسنية عما جاء به الخطاطون أعلاه فهي تشير إلى أن ‏للخط العربي شأنا كبيرا بين المسلمين وهو دلالة على التفاهم والتخاطب بينهم ‏وغير الناطقين باللغة العربية عندما يرون الخط العربي يجذبهم إليه فيحبون حروفه المتناغمة ويعشقون انسيابيته. وتقول: نرى أن الكثير من الناطقين بغير العربية يتعلمونه كي يستطيعوا قراءة الحروف العربية وكتابتها وليس هناك طريقة أفضل من نشر هذا العلم بطريقته الأصيلة التي تبتعد عن التحديث والتغيير في شكلها الأصلي إلا الإسهام في المحافظة على الخط العربي.
كما يشارك الخطاط شبيب البلوشي زملاء الإبداع الفني رأيه ويشير إلى أن أول آية نزلت في القرآن الكريم تشير إلى أهمية القراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، فقد نزلت باللغة العربية الواضحة، والقراءة تتعلق بنص مكتوب هو ما يطلق عليه الآن الخط العربي لأنها كتبت بحروف عربية.
ويشير البلوشي إلى أن فن الخط العربي تطوّر بمرور الزمن بعد انتشار الإسلام في بقاع الأرض بما يعرف بالفتوحات الإسلامية وثري بإسهامات من مختلف الثقافات ووضعت له قواعد وظهرت أنواع مختلفة من الخط وأصبح لفن الخط مكانة خاصة عند المسلمين، مما جعل الخطاطين يبدعون في الكتابة وخاصة في المصحف الشريف والآيات القرآنية.
وتؤكد الخطاطة وداد المعمرية على أن الخط العربي نال اهتماما بالغًا من العرب والمسلمين، وعناية كبيرة لم ينلها خط آخر لدى الأمم والحضارات الأخرى، فتفننوا فيه، واتخذوه وسيلة للمعرفة، والمخاطبات، وألبسوه لباسًا قدسيًّا من دينهم، وذلك لارتباطه بلغة القرآن الكريم، فانتشر انتشارًا واسعًا، مثلما انتشر الإسلام بالفتوحات الإسلامية، وازدهرت معه حضارتنا العربية الإسلامية، فازدهر معها الخط العربي، وبدأ الخطاطون في كتابة المصحف الشريف، والأحاديث، والأشعار، والحِكم العربية، وأصبحوا ينقشون كتابته نقشًا بالغ الدقة والجمال، وكان الخطاطون يتبارون في تجويده، وتحسينه، فكان يقع بين أنظار العالم أجمع، فأصابهم بالدهشة والعجب لحسنه، وروعته، فأقيمت له المعارض والمتاحف، وكانت تضم المخطوطات، والكتب، والمراسلات بين قادة الدول، والسلاطين، والمعاهدات التي تتم بين دولة وأخرى، وما زالت حاضرة إلى وقتنا هذا.