عادل سعد:
هناك رابط واضح بين مدلول هشاشة العظام والهشاشة الاقتصادية إذا أخذنا بمعايير قياس النتائج، فكما أن الهشاشة التي تصيب العظام تحدث خللًا في الاستقامة الهيكلية لجسد الإنسان، كذلك الحال بالنسبة للهشاشة التي تتسرب إلى البنية الاقتصادية وتدفع باتجاه الخلخلة وفقدان التوازن، بل وفي مرحلة لاحقة السقوط في المحظور، أعني الترقرق إن لم تعالج الأسباب التي أدت إلى ذلك التسرب.
عمومًا ينبغي أن يظل الاحتراز على طاولة التحسب من الهشاشة، وإذا كان لهشاشة العظام طرقها الوقائية والعلاجية الطبية المعروفة فإن معالجة الهشاشة الاقتصادية أكثر تعقيدًا إذا أخذنا بحقيقة أن الهشاشة الاقتصادية تعني عدم كفاءة الانخراط بالعملية التنموية المستدامة، أو مواجهة معوِّقات قد تظهر لتتسبب في تعطيل مسارات نمو ينبغي أن يستمر، وإذا كانت هناك أسباب أساسية بنيوية تحركها فإن الهشاشة الطارئة لأسباب خارجة عن الإرادة هي الآن الأكثر شيوعًا.
لقد أورد صندوق النقد الدولي تحذيرًا من احتمال تعرض عدد من البلدان للإصابة بالهشاشة الاقتصادية في المرحلة المنظورة المقبلة إذا لم تضع على طاولات اهتمامها فرضية التحسب وإعادة تجميع امكاناتها الاقتصادية؛ تحسبًا لما يجري على الساحة الدولية.
بالمنطق العام، ما من دولة لا تريد لوضعها أن يكون محصنًا ضد كل احتمالات الهشاشة الاقتصادية، وتذهب الأولوية إلى الاستعانة بالخبراء المختصين بعلوم إدارة الأزمات، حيث يستدعي الوضع تحليل الحالة وقياس مديات تأثيرها، وما هي المكوِّنات التي يمكن أن تكرسها ثم الذهاب إلى الحلول مع التركيز على القدرات الذاتية، كيف يمكن تنشيط القدرات؟ إن الاكتفاء بذلك لا يمكن أن يضع حدًّا للهشاشة إذا لم يتساوق مع هذا التوجُّه تغير جوهري في أولويات الشعوب.
إن خبراء الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمنظمات القارية والإقليمية المعنية بهذا الموضوع تفيد استنتاجًا (لم يعد في عالم اليوم متَّسع للاطمئنان السائب)، وإذا كانت المخاوف من وباء كورونا لم تنحصر تمامًا، فإن العالم يعيش الآن على وقع طبول طوارئ إضافية، الصراع الدموي بين روسيا وأوكرانيا، ارتفاع منسوب التوتر في بحر الصين وامتداد ذلك في تشغيل ميداني عسكري لحلف (كواد) الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا في مواجهة نيات بكين إزاء تايوان، أزمات الجفاف والفيضانات والتوابع المعروفة الأخرى... كل هذه الحزمة من الأزمات هي في المحصلة مغذيات للهشاشة الاقتصادية التي أشار إليها تقرير صندوق النقد الدولي. إن كل ذلك يجعل آراء الخبراء قاصرة عن التصدي لمضمون النتائج إن لم تصاحبه متغيرات في منظومة الحياة الشخصية للناس في كيفية التعاطي معها بمنظور التشاركية في تحمُّل أعباء المعالجات. ويستوقفني هنا مصطلح لبناني معروف (ما بيكفي) حين تكون هناك حاجة إلى زيادة الإجراءات نوعًا وكمًّا في التصدي لمعضلة ما.
لقد رصدت خلال الأيام القليلة الماضية دعوات خبراء ينصحون بضرورة تجاوز خيبات الأمل التي تضرب العالم في الوقت الحاضر، وإذا كان من المنطق عدم الاستكانة للعسر فإن التحريك اللازم، تشغيل مفردات حسن التدبير، أي تدوير الزوايا على كل المستويات وفي المقدمة الذكاء العاطفي الذي يجمع وحدة المجتمعات دون الدخول في انتظار مساهمات خارجية، فالمنصَّات الدولية لا تملك حلولًا جاهزةً تغدق بها على أصحاب الحاجات، هي تعطي مؤشرات فحسب وليس هناك من يحمل العبء اللازم إلا الدول ذاتها في إطار مساعيها الوطنية، أو في إطار نشاطات إقليمية وعالمية مشتركة.
إن عليها استحداث منظومات إدارية لرصد المتغيرات واجتراح الحلول بالتعاون مع الجهات المعنية، بل وتأسيس منظومات إنذار مبكر اقتصادية امتدادًا من أصغر وحدة اجتماعية، لا مجال للتخويف هنا، بل لإيجاد فائض خبرة في الاستعداد المريح.