علي بدوان:
بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو واضحًا أن تبعاتها وتداعياتها السلبية لا تقتصر على الفضاء الأوروبي الأميركي فقط، بل باتت تُطول مُختلف بؤر التوتر وخطوط التماس التقليدية بين القوى الدولية الكبرى في العالم، كما هو الحال في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وبحر الصين الجنوبي، وإيران، وحتى الشرق الأوسط، وصولًا لإعادة نبش ملف جزر كوريل المتنازع عليها بين روسيا واليابان. فعلى وقع الأزمة الأوكرانية وما جرَّته من توترات حول العالم، يعود إلى الواجهة النزاع حول جزر كوريل بين اليابان وروسيا. فاليابان عادت للقول بأن الجزر "جزء لا يتجزأ" من أراضي اليابان، وفي المقابل، رد الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف على الخطوة اليابانية، بالقول "إن كل الجزر الأربع في جنوب أرخبيل كوريل على الحدود مع اليابان ستبقى جزءا لا يتجزأ من أراضي روسيا".
وكان، وما زال، للخلاف الروسي الياباني القائم منذ نهاية العالمية الثانية عام 1945 حصة كبيرة، وتداخل واضح وملموس، في الواقع الجاري مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، واصطفاف اليابان إلى جانب أوكرانيا، وإعادة إثارة أزمة (جزر كوريل) الموجودة أقصى شمال شرق روسيا وقريبًا من الحدود البحرية مع اليابان، وهي الأزمة المستديمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وخروج اليابان من تلك الحرب منهكة القوى، خصوصًا بعد إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في آب/أغسطس 1945.
فاليابان تعد أن (جزر الكوريل) الشمالية "أرضًا يابانية ومحتلة بشكلٍ غير قانوني" من قبل روسيا في ظل ظروف الحرب العالمية الثانية ونتائجها وتبعاتها. تلك الجزر التي تقع بالقرب من الأراضي اليابانية والتي احتلتها القوات السوفيتية بعد هزيمة اليابان في شهر أيلول/سبتمبر عام 1945، وبرغم من توقيع معاهدة سان فرنسيسكو للسلام عام 1951، والتي تنص على أن اليابان وجب أن تتخلى عن مطالبتها بجزر كوريل، إلا أن اليابان "لا تعترف حتى الآن بالسيادة السوفيتية، وبعدها الروسية على جزر كوريل، وتطالب باسترداد جزرها".
إن تلك الجزر التي تقع بين شبه (جزيرة كامشاتكا) الروسية وجزيرة (هوكايدو) اليابانية. وتمتد هذه الجزر على شكل قوسين تفصل (بحر أخوتسك) عن المحيط الهادئ. وتمتد سلسلة هذه الجزر مسافة تقترب من 1200 كيلومتر، ومساحتها نحو عشرة آلاف كيلومتر مربع، وتضم في أراضيها ثرواتٍ مُختلفة بسبب من طبيعتها الاستثنائية. بينما مجموع السكان على أراضيها نحو 19.434 نسمة.
إذًا، التوتر الروسي الياباني عاد الآن متصاعدًا بعد هدوء قلق على امتداد عقودٍ من الزمن بين موسكو وطوكيو، وتحديدًا منذ العام 1945، ليعكس خطر اتساع نطاق مفاعيل الأزمة الأوكرانية عالميًّا، حيث أسهمت اليابان وبدفع من الولايات المتحدة الأميركية في فرض عقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا. وانضمت اليابان، في وقتٍ سابق، إلى العقوبات الغربية المناهضة لروسيا، بعد إعلان الأخيرة التدخل العسكري في أوكرانيا. فكان رد روسيا بتعليق محادثات السلام مع اليابان بشأن (جزر الكوريل)، وجميع المشاريع ذات الصلة التي كانت تجري مفاوضات بشأنها بين طوكيو وموسكو، ردًّا على العقوبات التي فرضتها طوكيو ضد موسكو.
إن الموقف الياباني الواضح إلى جانب الإدارة الأميركية خلال الأزمة الأوكرانية، ألقى بظلالٍ سلبية وقاتمة على واقع العلاقات اليابانية الروسية المضطربة تاريخيًّا، حيث بدا أن التفاهمات بين البلدين والتي سبق أن تم التوصل إليها في سنواتٍ سابقة، مُهددة بالانهيار تمامًا، والعودة لنقطة الصفر، وكأن شيئًا لم يكن من تفاوض بينهما، أو أي تفاهماتٍ مهما كانت خلال السنوات الطويلة التي مضت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.
إن اليابان ليست في موقع تحدي موسكو أو مواجهتها عسكريًّا، نظرًا لجملة عوامل، منها اختلال ميزان القوى العسكري الفادح بين البلدين لصالح روسيا، وبالتالي فمن الصعب جدًّا، إن لم يكن من المستحيل أن تفكر اليابان في التورط بالاحتكاك العسكري مع الطرف الروسي أو الدخول بمغامرة عسكرية ستكلفها الأثمان الباهظة ودون نتيجة.
وعليه، إن الصراع الروسي الياباني بشأن جزر كوريل، سيحتدُّ أكثر فأكثر، في ظل الحرب بين كلٍّ من روسيا وأوكرانيا، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على موسكو، ومؤازرة العديد من دول الاتحاد الأوروبي للمواقف الأميركية، بما في ذلك مؤازرة اليابان. لذلك فإن القادم سيكون قاسيًا بشأن جزر كوريل، والصراع الياباني الروسي، مع دعم كوريا الشمالية للموقف الروسي.