جودة مرسي:
تعود المجتمع الدولي أن يستيقظ كل فترة زمنية على وباء عالمي جديد يتسلل بالإعلان عنه من خلال خبر صغير يبث على تويتر، ثم رويدا رويدا نستقبل ملايين الكلمات التي تضخها ماكينات الكلام في رؤوسنا كل حين، وتتدفق الأخبار على دماغنا أكثر وأكثر لإرهاب الناس وتخويفهم من الفيروس أو المرض الجديد، ويتم الترهيب والتخويف من تحوله إلى "جائحة عالمية" على غرار أزمة كورونا، والآن ما يبشرونا به وسيستنزفوننا من ورائه مرض جديد يسمى "جدري القرود".
على اعتبار أننا نملك ذاكرة السمك ولم نعايش تلك الأخبار والتهويلات في فيروسات "سارس، إنفلونزا الطيور، إنفلونزا الخنازير، كورونا بأنواعها والتي كان أحدثها وليس آخرها كوفيد19"!!! ويتم استغلال العالم من خلال شركات الأدوية واللقاحات التي تربح تريليونات الدولارات من شعوب الكرة الأرضية، لتضعها في جيوب أصحاب هذه الشركات، غير مهتمين بنتائج ذلك على أهل الكرة الأرضية القابعين في الجزء الآخر من العالم ولا يملكون مصير اليوم أو مستقبل الغد، ولم ينتبه الكثيرون لبعض الأخبار التي كانت عبارة عن فضيحة عالمية، بقدر الخسائر العالمية، بهروب أحد رؤساء كبرى الشركات التي أنتجت لقاحا لـ"كوفيد19" بعد اتهامه بأن اللقاح يسبب أمراضا تؤدي إلى الموت، وحين حكم عليه فر هاربا، ولا عزاء للموتى أو لتدمير الاقتصاد أو حالات المجاعة التي تنتاب العالم والتي بدأت وأشارت نفس ماكينات الكلام أن أسبابها جاء نتاج اشتعال الحرب الأوكرانية الروسية، وكأن روسيا وأوكرانيا كانتا هما سلة غذاء العالم، وبدونهما يفنى البشر!!
يعاد نفس السيناريو الآن مع الوافد الجديد المُسمى (جدري القرود)، ويذكر اسم ملياردير عالمي يتحدث عن قدوم المرض مسبقا كما فعل مع "كوفيد19"!
نجحت وكالات الكلام في نشر الخوف والفزع من انتشار مرض جدري القرود بالإعلان عن انتشاره في عدد من الدول ووصوله إلى أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي تخوف البعض من أن يصبح جائحة عالمية. وفي الحقيقة ـ وكما يقول الخبراء والمتخصصون ـ فإن فيروس جدري القرود غير مشابه لطبيعة فيروس كورونا، ومعلوم تاريخه والوقاية منه وكيفية التعامل معه بشكل جيد. كما أنه لا ينتشر بسهولة، ولا ينتقل عبر الهواء لمسافات طويلة، ولكن عن طريق مخالطة المصابين بالفيروس لفترات طويلة وبشكل وثيق، وهو ما يجعل أنه من غير المرجح تحوله لجائحة عالمية مثل "كوفيد19"، كما أن طبيعة الفيروس صعبة الانتقال بين البشر واحتمال تحوره ضعيفة للغاية.
ويأتي هنا الدور التوعوي لتعريف المواطنين بأن هذا الفيروس يمكن السيطرة عليه بسهولة، وأن ما يبث على برامج التواصل الاجتماعي والمنقولة عن وكالات الكلام العالمية التي تتحرك وفق الربح والخسارة لا أساس له من الصحة، فقط إنها فورة من فورات مدمري العالم الباحثين عن جمع المليارات من الحكومات والشعوب بعد أن استطاعوا النجاح في ذلك عبر العديد من الفيروسات التي أرعبوا العالم منها خلال العقد الماضي وما زالوا يمارسونها للآن، وأغلقوا بسببها الشركات والمصانع، وأصبح العالم يئن من مجاعة كبيرة نتيجة تعطل عجلة الاقتصاد والصناعة والزراعة بعد هذه الإغلاقات المتتالية لهذه المنشآت.
إن الشيء الوحيد والمؤكد قبل أن تنشر الأخبار الكاذبة هو أن فرضية تحوُّل جدري القرود لجائحة عالمية أمر بالغ الصعوبة؛ لأنه مرض فيروسي نادر وحيواني المنشأ يُنقل فيروسه من الحيوان إلى الإنسان، وتماثل أعراض إصابته للإنسان تلك التي كان يشهدها في الماضي المرضى المصابون بالجدري، ولكنه أقل شدَّة، وعلى منظمة الصحة العالمية أن تقوم بدورها الإقليمي والعالمي بنشر تقارير صحيحة عن ماهية الفيروس وتأثيره وانتشاره، وأن لا تنساق وراء مصالح شركات اللقاحات الانتهازية.