خميس بن عبيد القطيطي:
زيارة فخامة الرئيس إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية إيران الإسلامية إلى السلطنة ولقاؤه مع أخيه جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تأتي تتويجا للعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وما يميزهما من عوامل مشتركة مثل الجوار الجغرافي والدِّين الإسلامي والشراكة الأمنية والمصالح الثنائية الاقتصادية، وذلك تدعيما للنهج المشترك للبلدين. ولا شك أن زيارة الرئيس الإيراني ـ وكما عبَّر عنها فخامته ـ تحمل أهمية استراتيجية، لا سيما وأن هناك العديد من المتغيرات على الصعيد السياسي الدولي والإقليمي وارتباط ذلك بالعلاقات الإيرانية الخليجية وعلاقته بالوطن العربي عموما. وأهمُّ ما في الزيارة على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين؛ تعزيز التعاون والعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثمار بين البلدين خلال السنوات المقبلة إلى أضعاف ما هو عليه اليوم؛ أي أن هناك رغبة حقيقية في تعزيز هذا المجال، والذي يأتي ضمن سياقات اقتصادية عالمية يتحرى العالم أجمع تعزيزها، وهو ما يتطلع إليه البلدان سلطنة عُمان وجمهورية إيران الإسلامية، ويحقق النماء والخير لشعبي البلدين الشقيقين.
لا شك أن الملف السياسي والأمني في مقدِّمة أولويات الزيارة؛ باعتبار أن عُمان وإيران لديهما رؤية مشتركة ومواقف متطابقة في العديد من الملفات، أبرزها الملف اليمني الذي يشترك فيه البلدان، ويعملان معًا على إنهاء الصراع في اليمن، وتجاوز الأشقاء في اليمن المحنة التي تجاوزت سبع سنوات، بل هي من تداعيات ما بعد الربيع العربي وحتى اليوم تعمل السلطنة وإيران مع مختلف الأطراف لإنهائها. ولا شك أن ملف العلاقات الخليجية الإيرانية هو من أكثر المسائل التي تشغل المساحة الممتدة بين ضفتي الخليج، ودور السلطنة كان سباقا فيها لمحاولة الوصول إلى حوار خليجي إيراني، وبالذات مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية. وما الحوار الدائر اليوم بين إيران والسعودية في بغداد إلا جزء من تلك الجهود العُمانية التي تحاول أن تضع الطرفين السعودي والإيراني على بساط أحمدي؛ لما يعود بالنفع على الأمن والاستقرار بمنطقة الخليج خصوصا والمنطقة العربية عموما، بل ومحاولة تحييد وتجاوز التدخلات الخارجية التي لم تألُ جهدا في سبيل توتر الأجواء في منطقة الخليج. لذا فإن النهج العُماني الحكيم يعوَّل عليه في حل هذه المشكلة العالقة منذ أربعة عقود. وهناك أيضا ملفات ارتبطت بهذه الحالة الخليجية الإيرانية ضمن سياقات التجاذبات العربية الإيرانية والتي نأمل أن يتم معالجتها بالحوار وتحقيق الحدِّ الممكن من العلاقات الوطيدة بين ضفتي الخليج. أيضا كانت السلطنة عرَّاب الاتفاق النووي الإيراني عام ٢٠١٥م، وسعت بجهود مضنية وبتوجيهات ومتابعة من السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ بتوفير الأرضية الممهدة للوصول إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (٥+١) بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولا شك أن عُمان اليوم ما زالت ترحِّب بكل الجهود الدولية للعودة إلى توقيع ذلك الاتفاق النووي. وفيما يتعلق بالأزمة في سوريا، فإن هذا الملف دائما ما يسجِّل حضوره في أي تواصل عُماني إيراني؛ نظرا لتطابق وجهات النظر ودور البلدين عُمان وإيران في إنهاء الأزمة في سوريا. ويأتي الأمن في منطقة الخليج ذا أهمية قصوى في العلاقات الدولية؛ باعتبار أن عُمان وإيران تتشاركان في الإشراف على أهمِّ ممرِّ ملاحي عالمي (مضيق هرمز)، ولا شك أن حرية الملاحة الدولية ومواجهة الأخطار المحدقة بالخليج هو هدف أسمى ضمن السياسة العُمانية. وأخيرا، تأتي الأوضاع الدولية والأحداث وتجاذباتها من الملفات التي تهم البلدين الشقيقين للتشاور حولهما، وقد سبقت زيارة الرئيس الإيراني زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى السلطنة ولقاؤه القيادة العُمانية لتؤكد أهمية التواصل بين المنطقة العربية وروسيا الاتحادية، ولا شك أن الأحداث العالمية لا بُدَّ لها من ارتدادات على المنطقة.
الملف الاقتصادي والعلاقات الثنائية بين السلطنة وإيران حملت الجزء الأكبر والأهم من الزيارة، وهو ما يعوِّل عليه البلدان في تقدُّم هذا المسار الاقتصادي ليصل إلى خمسة أضعاف من التبادل التجاري. لذا فقد وقَّع البلدان عددا من الاتفاقيات في مجالات التجارة والتصنيع الاقتصادي ومجالات الطاقة والنقد المصرفي والنقل، والتي بدورها تنشط حركة الاقتصاد بين البلدين، بل إنه يؤمل أن يتم تسهيل الإجراءات التجارية لتعزيز انسيابية العلاقات الاقتصادية وتحقيق تطلعات شعبي البلدين.
العلاقات بين السلطنة وإيران علاقات ضاربة في جذور التاريخ، وبالتأكيد تحمل هذه الزيارة أبعادا استراتيجية على الصعيد الثنائي والإقليمي والدولي، ويؤمل منها أن تسهم في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم أجمع.